المتطرفون ينتظرون

خلافا لما جرى خلال الثورة في إيران سنة 1979، الجيش مستعد في مصر لملء الفراغ الذي نشأ، إلى حين قيام نظام ديمقراطي على الأقل.
تبين في مؤتمر هرتسليا الأخير أن إدارة أوباما أكثر حكمة من الصورة التي أُخذت عنها في إسرائيل، وأن جهودها موظفة في إحباط صعود " الأخوان المسلمون" إلى الحكم. وتبين أن الإدارة الأميركية نسّقت من وراء الكواليس مع الجيش المصري عملية استلام الوديعة المؤقتة التي أُعطيت للجيش. كل هذا بغية الحيلولة دون نشوء فراغ تدخل إليه تغيرات وتحولات ثقافية متطرفة. وربما تكون هذه هي العبرة مأخوذة من امتناع الجيش في إيران عن فعل ذلك سنة 1979.
لقد أدى بقاء حسني مبارك في الدولة إلى زيادة خطر فقدان السيطرة، ولذلك طلبت واشنطن رحيله. فالجيش هو من سيشرف على الانخراط المضبوط لكل القوى، بهدف التسبب في بلورة نظام مستقر وقابل للحياة. وعلى الرغم من أن النهج الأميركي الأوروبي مدفوع من قبل مصلحة الحفاظ على الاستقرار، لكنه يتحرك أيضا انطلاقا من اعتقاد ديني، الرواية البروتستانتية والتي تفيد أن الله يزرع في الانسان التطلع لتحقيق حريته.
عند بدء المرحلة الانتقالية في إيران، شُكلت حكومات ضمت شخصيات معتدلة وعلمانية وذلك كمرحلة انتقالية، الأمر الذي سهّل على المتطرفين طريقهم إلى السلطة. وظهر هناك نمط إبعاد وسائل الفرض التابعة للنظام القديم: بداية عبر قوى معتدلة، الجماهير الحاشدة في الشوارع، فيما انتظرت جانبا القوى المتطرفة استعدادا للحظة المناسبة. وقد كان انتصارهم مضمونا، أمس واليوم، لأنهم مستعدون لاتخاذ خطوات أكثر قساوة.
هذا ما حصل أيضا في السابق. فمع نشوء الفراغ، تدخل عناصر التغيير الثقافي، التي لا تتطلع فقط إلى التغيير السياسي، بل إلى التغيير القيمي. وتلك العناصر تستغل براءة المعتدلين، الذين ارادوا بصدق، سابقا وحاليا، قدرا أكبر من الحرية، المساواة، الأخوة والعدل.
وهكذا، فإن أولئك الذي قاموا في العام 1793 بإزاحة النظام القديم، اعتُبروا " أعداء الثورة"، وتمت معالجته بالطريقة المناسبة. وأولئك الذين أيدوا الحكومة الانتقالية التي مارست الحكم سنة 1917 بعد ذهاب القيصر، اختفوا، بينما انتصرت طريق لينين، تروتسكي والستالينية، حيث ملأ هؤلاء الفراغ بعد خطوات استمرت عدة سنوات.
في العام 1933 جرت أيضا عملية مشابهة. فالنازيون تولوا الحكم بوسائل قانونية، من خلال ائتلاف كان خاضعا للرئيس الذي كان لا يزال الحاكم. لكن تبين لاحقا أن هذا الائتلاف كان أيضا حكومة انتقالية بموجب نظرية الفراغ السلطوي الذي نشأ.
في إيران ومصر أيضا، سيصبح الجيش تحت كنف الثورة في نهاية المطاف. وهكذا، بحسب المسار الزمني المعروف، سيُقتلع الحكم القديم وسينشأ فراغ يتم ملؤه بوسائل الفرض المستمدة من القوة السياسية. والمتطرفون الذي يسعون إلى الثورة، سينتظرون اللحظة المناسبة.
من المعقول الافتراض أن الانتخابات المقبلة في مصر ستؤدي إلى فوز الاخوان المسلمين بحصة مهمة. فالأحزاب المرشحة والمهيأة لأن تشكل حاجزا أمامهم منقسمة، وهكذا سينشأ الفراغ. من هنا، قد يتطور سيناريو الثورة الزاحفة- بداية عبر ائتلاف متوازن، ولكن في النهاية سيكون الحسم بيد المتطرفين، لأن الفراغ لا يقدم جوابا على التحدي الذي يطرحونه.

السابق
عودة نتنياهو إلى عادته القديمة!
التالي
فئوية السلاح سبب لإسقاطه والشرخ الذي يُحدٍثه يستدعي إقامة لبنان جديد