عن العاصفة والعراء السياسي

العاصفة

عادة تخاف العواصف من المدن، تخاف من أنها لم تعد قادرة بعد الآن أن تكون مخيفة، لأن العيش الحديث نجح في أن ينصب سلسلة من الدفاعات في وجهها، جعلتها تمر مهما كان قدر شدتها وكأنها خبر عابر.
لم تعد العواصف منذ زمن تنطق باسم القدر الذي لا مفر منه، وبات أي ضرر تتسبب به، يقع تحت بند الطارئ والخارج عن الضبطالذي نادرا ما يرقى إلى حدود كارثة. حتى في هذه الحالة فإن سبل مقاومتها ورد الأمور إلى الانتظام العام، غالبا ما تكون متيسرة وسريعة، ومعبرة عن روح التضامن عند الشعوب التي تصيبها، والأهم أنها تعكس بشكل لا يخطئ قوة البنيان السياسي والإداري، والبنى المؤسساتية التي يستند إليها.

اقرأ أيضاً: المواطنية.. ممارسة وإلتزام

لم تكن العاصفة التي ضربت بيروت خائفة بل كانت ساخرة. تمر وكأنها في زمنها الأول ما قبل ابتكار سبل مكافحتها، وتبدو منتشية في المجال البيروتي، ومتفاخرة ووقحة، وقادرة على تحدي كل شيء، وفرض زمنها وإيقاعها على الحياة العامة.
جرتنا العاصفة إلى زمن نجاهر دوما أننا غادرناه إلى غير رجعة، وفرشت أحشاء خطايا انعدام السياسة والإدارة في قلب المكان العام، كشاهد على استبداد العراء، وتسيده على كامل المشهد المديني.
والعراء ليس حالة، بل هو زمن كامل المعالم الأوصاف، ولا يمكن إذا ما حل بقوم أن يدعوا انتسابا إلى المدينة وزمنها، ولا الى السياسة وأحوالها، فالعراء مؤذن بنهايات المدن والسياسة في آن واحد.

السابق
السيد محمد حسن الأمين: الإصلاح الديني والسياسي واجب في مجتمعاتنا
التالي
اعصار مصحوب بزخات برد يغرق شوارع بيروت ويحطم زجاج سياراتها