استغلال الدين والأخلاق لترسيخ الاستبداد وتقويض الاستقلال

علي الأمين
فقرة الصحافي علي الأمين في برنامج "على مسؤوليتي" على صوت لبنان.

الاستقلال هو مشروع قيد الإنجاز، لا بل هو فعلٌ يومي للمواطن وللشعب لتحقيق الحرية والتنمية والتقدم، هو اختبار دائم لقدرة الشعوب والدول على ابتداع نظم العلاقات فيما بينها على قاعدة الحرية والتفاعل والاحترام، وفي الآن نفسه في قدرة المواطنين على صوغ وتطوير العقد الاجتماعي بين المواطنين والسلطة في الدولة ودائما بشرط الديمقراطية، بما تنطوي عليه (هذه الديمقراطية) من مراجعة ومساءلة ومحاسبة وتداول للسلطة بعيداً عن أيّ قداسة دينية أو أخلاقية.

إقرأ أيضاً: وكفى اللبنانيين شرّ الاقتتال

الاستقلال فعل تعارف بما هو انفتاح وحوار وتبادل منافع وخبرات دائمين بين الشعوب والدول القريبة والبعيدة، الاستقلال هو التحدي الذاتي والمجتمعي من أجل تحقيق النموذج الدولتي الذي يجعل من الإنتماء الوطني، ليس انتماءً وجدانياً وعاطفياً للفرد أو الجماعة فحسب، بل انتماء إلى منظومة حقوق وواجبات لا مكان فيها للغبن، بل للعدالة أولاً، التي هي شرط لانتظام العلاقة بين الناس وبين السلطة والشعب. بل أكثر من ذلك، كما قال علي بن أبي طالب في يوم من الأيام: “إنّ مدار السياسة كلها على العدل والإنصاف، حسبكم دلالة على فضيلة العدل أنّ الجور (الظلم) الذي هو ضده لا يقوم إلاّ به، ذلك أنّ اللصوص إذا أخذوا الأموال واقتسموها بينهم، احتاجوا إلى استعمال العدل في اقتسامهم وإلاّ اضر ذلك بهم”. (انتهى)
الاستقلال اللبناني والذي نحتفل اليوم بمرور أربعة وسبعين عاماً على بدء عملية انجازه، هو بالضرورة إذاً فعل مشاركة واختبار دائم لإرادتنا الوطنية التي لن يستقيم عودها إلا بابتداع الوسائل والسبل التي تخرجنا كلبنانيين من كهوف الخوف إلى فضاء الإنتماء للوطن وللدولة بما هي عقد اجتماعي بين مواطنين وسلطة، لا مجال فيه للقداسة الدينية أو التأليه، ذلك أنّ التاريخ والتجارب تقول لنا أنّ كل استبداد أو ديكتاتورية، تستند في استبدادها على أساس ديني او أخلاقي، لتعمد إلى إضفاء البعد الديني أو الطائفي أو الأخلاقي على كل ما تقوم به من فعل استبدادي أو مصادرة للعدل. من شعار تحرير فلسطين إلى الإسلام هو الحل، إلى حقوق الطوائف إلى المحرومين والمستضعفين، كلها كانت قيم أخلاقية جرى استثمارها لتقويض العدل والعدالة وترسيخ المصادرة والاستبداد على امتداد دولنا العربية بما فيها لبنان.

إقرأ أيضاً: الرئيس يُطمئن: المحاصصة والزبائنية والفساد الى ازدهار

الاستقلال يتحقق فعليا في لبنان عندما ننجح في أنّ نؤسس لعقد اجتماعي بين السلطة والشعب على شرط العدل والمساواة بين المواطنين ومساءلة السلطة ومحاسبتها وتداولها، على شرط استبعاد الدين والطائفة والقيم الأخلاقية من بنود هذا العقد الظاهرة أو المبطنة، كي يستقيم العقد الاجتماعي بشروط العدل والإنصاف. ولكي لا ينفذ الاستبداد من الدين أو الاخلاق، كما يشهد التاريخ في الماضي والحاضر ويحكي ويستفيض عن مدى خطورة استثمار الدين والقيم الأخلاقية في قيام الديكتاتوريات وترسيخها، الاستقلال الفعلي لنا كشعب لبناني يبدأ من هنا وليس من أيّ مكان آخر.

السابق
أين حسام والحازمين؟
التالي
«مسرح إسطنبولي» يفتتح مهرجان لبنان للمسرح الملحمي