أين مصلحة إسرائيل من انفصال الأكراد عن العراق؟

من جملة المآخذ على الاستفتاء في كردستان العراق الذي قاده رئيسه مسعود بارازاني هو دعم اسرائيل المعلن له، مما سهل الامر على الحكومة الاتحادية في بغداد ان تجد سببا وجيها في رفض هذا الاستفتاء واحباطه.

فيما لم يجد الإستفتاء الكردي بيئة دولية حاضنة للإنفصال عن العراق، وتشكيله أزمة للدول المجاورة إيران وتركيا، التي لديها أقليات كردية مضطربة، خوفا من إنتقال عدوى الإنفصال إليها.
لكن هذا الإستفتاء شهد تاييدا إسرائيليا لافتا، بشكل علني برز على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي كان الزعيم الوحيد في العالم الذي دعم الاستقلال الكردي، وتحدث سياسيون آخرون عن “الحق الأخلاقي” للأكراد في الدولة. ولم ير اي منهم كيف انه لم يكن من السهل ان يستوي مع نهجهم إزاء القضية الفلسطينية. وقد نقلت “الجزيرة نت” أن افغيدور ليبرمان قوله “إن العالم يشهد تفكك العراق، وإن تشكيل دولة كردية مستقلة يستحق منا الدعم”.

اقرأ أيضاً: كركوك طارت من يد الأكراد… وأميركا صمتت

بالإشارة إلى ”شبكة علاقات سرية ربطت إسرائيل بالأكراد منذ سنوات طويلة”، بحسب آرييه شافيط، المحلل السياسي الاسرائيلي، في حديث له لـ”الجزيرة”.
ويرى “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط” ان “تقسيم العراق وسوريا إلى دويلات متنازعة يخدم مصلحة إسرائيل”.
وقد كتب الصحافي البريطاني جوناثان كوك أنه من الأصعب معرفة مصالح إسرائيل في الاستقلال الكردي نظرا لشدة تعقيدها، فالأسباب الظاهرية فإن إسرائيل تكسب لجهة أن الأكراد يتمركزون في أماكن وفيرة بالنفط . وبعكس الدول العربية وإيران، فالأكراد لا مانع لديهم بيع تل ابيب.
لكن في العمق، فإن العلاقات والتعاون بشكل غير علني بين إسرائيل والأكراد إستمر لعقود. وقد ذكر الإعلام الإسرائيلي وتحيات من الجنرالات المتقاعدين الذينقاموا بتدريب الأكراد منذ الستينيات وأشار الصحفي إلى أن تظاهرات المطالبة بالإستقلال رفع فيها أعلاما إسرائيلية.
إلى ذلك تعتبر اسرائيل اكراد العراق حلفاء رئيسيين في المنطقة العربية. وبعد تراجع قوّة ونفوذ “داعش” في العراق يمكن إستقلال الألكراد أن يساهم بمنع الإيراني بسدّ الفراغ. إضافة إلى أن تل ابيب تريد بناء سد منيع من شأنه منع إيران بنقل أسلحتها إلى حلفائها الشيعة في سوريا ولبنان.
إلا أنه، هناك رؤية أبعد من ذلك لجهة أن تكون مصالحة إسرائيل مع الإنفصال كردي وهو الأمر الذي يطرح منذ عقود وورد في في كتابي إسرائيل وصراع الحضارات. وهو الأمر الذي بدأ مع الأب المؤسس لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، الذي طرح قاعدة استراتيجية “التحالف مع الأطراف” عبر غقامة علاقات إيجابية وعسكرية مع دول غير عربية مثل تركيا وإثيوبيا والهند وإيران، التي كان يحكمها الشاهنشاهات. بهدف إخراج إسرائيل من العزلة. وتقييد القومية العربية بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر .
كما كان الجنرال الاسرائيلي ارييل شارون يسعى في بداية الثمانينيات إلى جعل اسرائيل قوة امبريالية في الشرق الاوسط. وستكفل إسرائيل امتلاكها وحدها في المنطقة لأسلحة نووية، مما يجعلها لا غنى عنها للولايات المتحدة.
كما وضع أوديد ينون مسؤول سابق في وزارة الخارجية الاسرائيلية خطة لتطوير الالدولة الصهيونية عبر العمل على إنهيار الشرق الأوسط، وتفكيك الدول الرئيسية في المنطقة سيما المعارضة منها لإسرائيل وذلك عبر خلق النعرات الطائفية وتأجيج الخلافات بشكل يهدم هذه الدول حتى تتمكن إسرائيل من تأمين مكانتها كقوة إقليمية وحيدة. وهو ما حصل في إحتلال فلسطين، كما إحتلال الجنوب اللبناني إذ وجودها من التوترات الطائفية بين جميع الطوائف.
كما إهتمت إسرائيل لفكرة فكرة “تراجع” الدول العربية الرئيسية، سيما العراق وإيران وسوريا، التي كانت تعارض الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة الذي أدّى إلى تفكك دموي وطائفي في البلاد.
ومن بعدها سوريا حتى غرقت في الحرب، وقد يكون هناك قدرا كبيرا من التحريك للأقليات العربية، والبلوشية، والأكراد، والأذربيجانية .
والجدير ذكره أن وزير العدل الاسرائيلي اييليت شاكيد دعا الى اقامة دولة كردية في الشهر الماضي في مؤتمر هرتزيليا،وقالت انها ستكون جزءا لا يتجزأ من الجهود الاسرائيلية “لاعادة تشكيل” الشرق الاوسط.
ورات مجلة التايمز البريطانية أنه على غرار المثل القائل “عدو عدوي هو صديقي”، اضحى أيضا الأكراد حلفاء لإسرائيل. ولم تستغرب الصحيفة أن يؤيّد أكبر منافسي إيران الأكراد في إستفتائهم؛ إذ أعربت إسرائيل بشكل صريحه أنها تدعمه، فيما تدعمه المملكة العربية السعودية في السرّ. وبحسب “التايمز” فإن كل من الرياض وتل أبيب يرى أن هذا الإنفصال يكسبهما مميزات تواجد وكيلٍ لهما يشارك إيران حدوداً جبلية ممتدة.

اقرأ أيضاً: تحالف سري بين أميركا وإيران تسبب في هزيمة الأكراد في كركوك

في المقابل، بالطبع أوّل الرافضين لهذا الإستفتاء هي الحكومة العراقية تحت ذريعة أنه مخالفا لدستورها المعتمد في 2005، كما أنه لا ياتي بمصلحة الأكراد سياسيا ولا اقتصاديا ولا قوميا. كما يعبّر التركمان والعرب عن رفضهم أن يتضمن الاستفتاء محافظة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها.
وعلى الرغم من دعم الأميركي للأكراد، إلا ان الولايات المتحدة، تعتبر أن هذه الخطوة ستفاقم زعزعة الاستقرار في العراق الذي يشكل أحد أبرز امكانها للإستثمار فيه. وفيما تعتقد واشنطن أنها إستطاعت الخروج من المستنقع العراقي بقيام دولة لها إستمرارية إلا أنه سرعان ما يطرأ مستجدات تعيد الأمور إلى الوراء إن كان مع سيطرة تنظيم داعش من جهة والآن مع إنسحاب حلفيها في إقليم كردستان، المتمتع بالحكم الذاتي، ليترك دولة يشكل فيها الطائفة الشيعية الأغلبية وهو ما يزيد من إحتمال بسط إيران نفوذها عليها.

السابق
نجوم عالميون… لن نراهم في كأس العالم
التالي
تسليم كركوك.. وتفاصيل الصفقة مع إيران