الأسد وأوهام سلطته في لبنان: قصرُكَ تحكمه روسيا وإيران

بشار الأسد الطامع بعودته للوصاية على لبنان هو نفسه لا يملك الوصاية على سوريا في ظلّ روسيا وإيران.

يبدو أنّ رئيس النظام السوري منزعج من سياسة النأي بالنفس التي يعتمدها لبنان نظرياً تجاه الأزمة السورية، وهي سياسة مهما قال المروجون لها، عن مبرراتها السياسية، إلاّ أنّها تنطوي على تجاوز فاضح للجانب الإنساني وللحقوق الدنيا للشعوب في أن تقرر مصيرها. يجب الإيضاح هنا أنّ أيّ مواطن لبناني يشعر بالإخوة الإنسانية مع الشعب السوري، إن لم نقل الإخوة القومية وحق الجوار، لا يمكن أن يقف محايداً تجاه ما ارتكبه النظام السوري ضد شعبه: أكثر من نصف مليون قتيل، وعشرة ملايين لاجىء ومهجر داخل سورية وخارجها.

هذه الجريمة لن يستطيع تكالب الدول على محوها، فالشعب السوري يعرف ماذا ارتكب الأسد وماذا ارتكب الإرهاب، بل كيف ولد الإرهاب وكيف نشأ وتمدد. مهما قيل في ارتكابات الجماعات الإرهابية، لن يستطيع أحدٌ أن يخفي حجم الإجرام الذي ارتكب في سورية. رصيد الأسد من القتلى والتدمير لا يسبقه عليه أحد. أيضاً هذا يعرفه السوريون قبل أن نتحدث عن المنظمات الحقوقية الدولية التي وثقت الجريمة الواضحة مهما حاول العالم اليوم أن يخفي البون الشاسع بين ارتكابات إرهاب الدولة وإرهاب بعض المنظمات التي لم تستطع أن تجاري نظام الأسد في الإجرام الذي ارتكبه بحق الشعب السوري.

بشار الأسد

 

بيدو أنّ الأسد يحاول أن يعبر عن غبطته بالفصل الأخير الذي توقِّع عليه الطائرات الروسية الحربية على شرق المدينة المنكوبة حلب. يعبر عن ارتياحه للغطاء الأميركي، وللمعونة الإيرانية المغالية في هويتها الميليشيوية والمذهبية على أرض حلب. بهجة الأسد عبّر عنها في تعليم اللبنانيين أصول السياسة الخارجية: “النأي بالنفس لا سياسة”، هكذا يحاول الأسد أن يخاطب اللبنانيين وإملاء عليهم ما يجب فعله لاحقاً. بالتأكيد هو يحاول أن يلهو على طريقته، يحاول أن يستعيد ذكريات التسلط والسطوة والوصاية على لبنان. هي أوهام مهما حاول الاستعراض بالألفاظ أو بإرسال غربان العمائم لا حساسينها. يعرف الأسد أنّ سلطته في سوريا نفسها بل سلطته في محيط قصره وفي داخله هي سلطة روسيا وإيران، فما بالك في لبنان. يمكن للأسد أن يقول أنّ صديقه وحليفه السيد حسن نصرالله كممثل رسمي لولي الفقيه في لبنان هو من يحكم لبنان، هذه المرة هو يدرك أنّ من يحكم دمشق هو بالضرورة يحكم لبنان، لكن الأكيد أنّ الأسد ليس هو من يحكم دمشق، ولا سورية بطبيعة الحال. وبالتالي ليس هناك “من يستطيع إعادة الشيخ إلى صباه في زمن الوصاية على لبنان”.

إقرأ أيضاً: لا ثقة بروسيا لضبط الأسد ولا بأميركا لإنصاف الشعب

فصل حلب الأخير لن يطوي الأزمة السورية، بل يفتح المشهد السوري على مزيد من الشيء نفسه. فالقضية السورية لا ينتهي فصل منها حتى يبدأ فصل جديد، طالما ان العالم بات أسير معادلة مكافحة الإرهاب، هذه المكافحة التي لن تنتج إلاّ المزيد من الإرهاب، وما محاولة القضاء على المعارضة السورية إلاّ تجلٍّ لسياسة مواجهة العنف بالعنف المسلح دون سواه، وتجاوز القرارات الدولية التي أكدت على الحل السياسي، والمرحلة الإنتقالية في سورية. أقل من ذلك سيعني أنّ الحرب ستستمر وأنّ الإرهاب سيزداد انتعاشاً، وأنّ بيئته الحاضنة ستتسع، ولا نجاح في القضاء على الإرهاب عبر تثبيت الاستبداد وتشريع الاحتلال، وهذا ما هو مطروح على الشعب السوري اليوم، مع حفظ تام لمصالح الدول الإقليمية والدولية لا سيما اسرائيل وروسيا وتركيا.

إقرأ أيضاً: براعة الأسد وحلفائه في القتل والتدمير

إيران التي تورطت قيادتها حتى أذنيها في بحيرة الدم السورية، تبدو عاجزة عن الخروج بمكاسب تتناسب مع حجم ما قدمت من خسائر بشرية ومادية، لذا هي عرضة لمزيد من الاستنزاف، ولمزيد من الغرق في الدم وفي الرمال المتحركة. ذلك أنّ مسار الأحداث السورية فرض عناصر استقرار لإسرائيل عزّزه الدخول الروسي النوعي في الحرب السورية، بحيث أنّ إيران باتت ملتزمة بقواعد تفاهم لا تستطيع الخروج عليها. وهذا ما يفسر الغطاء الروسي للضربات الاسرائيلية المتكررة لمواقع حزب الله في محيط دمشق أو على الحدود مع لبنان، من دون أن ينبس الحزب ببنت شفة.

السابق
مستشار ترامب القادم يشنّ هجوماً على النبي والقرآن: أميركا مسيحية يهودية
التالي
وهاب: المفتي حسون في بيتي تفضلوا واعتقلوه