السيد محمد حسن الأمين: الاسلام المدني في تونس مطلوب ونأمل أن ينتشر

أعادت حركة النهضة الاسلامية في تونس في شهر أيار الماضي انتخاب رئيسها وزعيمها راشد الغنوشي رئيسا لها وقال الغنوشي للصحافيين مساء الاحد ان النهضة “حركة تونسية تتطور مع تونس”، مضيفاً “نتجه بشكل جدي وتم تبني ذلك اليوم باتجاه حزب سياسي وطني مدني ذي مرجعية اسلامية ويعمل في إطار دستور البلاد ويستوحي مبادئه من قيم الاسلام والحداثة”.

سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين رحب بما أفضت اليه التجربة الاسلامية التونسية وقال ” ليس ما حدث في تونس من خلال موقف حزب النهضة أمراً جديداً بالمعنى النظري للتوجهه الإسلامي المستنير في رؤيته للإسلام والدولة والمجتمع، ولكن الملفت في هذا الشأن هو أن يغدو هذا التصوّر مجالاً للتحقق الفعلي كما يبدو الآن في التجربة التونسية أو على الأقل في رؤية حزب إسلامي مشارك في قيام الدولة التونسية من موقع المؤثّر والفاعل، وهذا ما يبعث على الأمل في إمكانات التحوّل لدى الأحزاب والقوى الإسلامية التي ما زالت حتى الآن غير قادرة ولا راغبة أصلاً في الفصل بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة”.

وعن أسباب بروز هذه الظاهرة في تونس بالتحديد، فإن الجواب على ذلك برأي السيد الأمين “تنطق به عناصر الأصالة في الثورة التونسية والتي أصبحت بسبب ذلك نموذجاً لتطلعات الشعوب العربية إلى ثورات مماثلة، ويمكن أن نجد أسباباً إضافية تتعلق بالحزب الإسلامي المسمى بحركة النهضة والذي برزت في أدبياته قبل الثورة وبعدها رؤية أكثر تنوّراً وانفتاحاً لجدل العلاقة بين الدين والدولة وبين الإسلام والدولة بشكل خاص، أي أن حركة النهضة التونسية الإسلامية، ليست في الأساس حركة بالمعنى الأصولي المتطرّف ولكنها في جملة أدبياتها ومرتكزاتها الثقافية كانت قادرة على التفاعل مع العديد من الحركات القومية والعلمانية والوطنية، وقادرة على استيعاب ضرورة العلاقة بين هذه الحركات المختلفة في عقائدها وأيديولوجيتها وأدبياتها. وقد مارست فعلاً هذه العلاقة الإيجابية من خلال انخراطها وبشخص قيادتها في صيغة المؤتمر القومي الإسلامي. وأضيف إلى ذلك أن المناخ الذي يسود المنطقة العربية والإسلامية في هذه السنوات الأخيرة تغيّر وتحوّل إلى صالح القوى الإسلامية المعتدلة وامتلاك هذا الجمهور مناعة الانجرار إلى الحركات المتطرفة سواء في مجال الدين أو في المجال العلماني. فجاءت الخطوة التونسية في إنجاز هذه الشراكة الموفّقة بين الإسلاميين وغيرهم من الحركات الوطنية والقومية، لتعزّز بصورة نوعيّة ما يمكن أن نسمّيه بنزعة الاعتدال التي بدأت تظهر مؤشراتها بين نخبة واسعة من الإسلاميين والاتجاهات القومية والعلمانية، ولا يمكنني أن أتجاوز الوقوف عند هذه النقطة، بل لا بد من اعتبارها إنجازاً وتحوّلاً أنتجته عوامل متعدّدة أهمها أن التراكم الأدبي والسياسي للإسلام المستنير وحاجة القوى القومية والعلمانية إلى إعادة النظر في كثير من مواقفها ومن رؤيتها لأهمية الهوية الدينية في دائرة الشعوب العربية، وأن أي إنجاز حقيقي في مسيرة النهوض بالاجتماع العربي والإسلامي لا يمكن أن تؤتي أكلها دون حضور فاعل للهوية الإسلامية في تمهيد السبيل إلى النهوض والعمل المنتج لتحقيق هدف التغيير والتحوّل السياسي والثقافي في إطار هذا الاجتماع الذي كان موضعاً للرهان وللاختلاف والتناقض بين الفكر القومي والفكر الإسلامي.”

إقرأ أيضاً:  السيد محمد حسن الامين: فتاوى حسن الترابي للتجديد وتجاوز السائد‏

وللإستفادة من التجربة التونسية لفت السيد الأمين: “أن النخبة الإسلامية المستنيرة باتت تملك بالإضافة إلى مواقفها المتقدمة نظرياً، تمتلك نموذجاً عملياً يشكل حجة دامغة للرأي الذي تتبناه النخب الإسلامية المستنيرة ولكن هذا لا يعني أن ما جرى حتى الآن في تونس بالرغم من إيجابيته الواضحة ما زال الأمر مبكراً للحكم على طبيعة النتائج التي ستنتج عن هذه المصالحة بين الرؤية الإسلامية والرؤية القومية، ونعني بالقومية هنا، ليست رؤية ما يسنمونه بتيار القومية العربية وأحزابها، بل نعني كل التيارات التي تطمح إلى التغيير والتحوّل. لأن تونس لكي تغدو قدوة جاذبة ومؤثرة تحتاج إلى عنصر الزمن لكي تنتج هذا النموذج، وينتج هذا النموذج إنجازاته السياسية والحضارية والاجتماعية بصورة كاملة.

ومع ذلك، فإن الصدى الإيجابي لهذه الإرهاصات التونسية بات صدى مقروءاً ومسموعاً وجاذباً للانتباه بالرغم من أنه ما زال في بداية الطريق”.

أما عن الاتجاهات المستقبلية التي سترسو في الدائرة السياسية للعالم العربي، فيرى السيد الأمين أنها “ستكون أكثر أصالة وتجدداً وانفتاحاً منها قبل التجربة التونسية، وإن كان هذا الأمل لن يتحقق تلقائياً وبمجرّد التأثر بالتجربة التونسية، بل يحتاج إلى جهود مكثَّفة من التيارات السياسية الإسلامية المعتدلة في سائر الأقطار العربية”.

إقرأ أيضاً: السيّد محمد حسن الأمين يتحدّث حول صراع الولاءات في لبنان

ويختم السيد الأمين مؤكدا “أن مشروع النهوض والتجدد الحضاري على مستوى العالم العربي والإسلامي ليس هدفاً آنياً سريعاً، بل هو بحاجة إلى مراكمة جهود طويلة وجدية صلبة تستند إلى قناعة مشتركة بين الاتجاهات السياسات السياسية المؤمنة بالتحول والتغيير وإنجاز برامج عمل مشتركة بين هذه القوى للتصدي بفعالية وقوة للعقبات التي تتمثل في الفكر والقناعة التي كرّستها الأنظمة السياسية على مدى عقود من الزمن، والتي استمدت كثيراً من مصادر قوّتها من الإسلام المتطرّف ومن تفكك العلاقة بين القوى المتعدّدة والمختلفة، ولكن الجامع بينها هو مبدأ رفض الواقع السائد وإنتاج واقع جديد يكون ثمرة للتفاعل الإيجابي بين حركات النهوض على اختلاف مكوناتها الدينية السياسية.”

السابق
11 عامًا على استشهاد سمير قصير الذي أخاف المجرم فقتله
التالي
العنف المدرسي في طرابلس واستئصال للطحال: #اليوم_محمود_بكرا_ابنك