سورياليّة التعذيب في جحيم السجّان البعثي

السجّان الاسرائيلي والسجان السوري توأمان، بل ان السجّان العربي فاق باجرامه الصهاينة. فهل هذا هو دورك أيها الحاكم العربي؟ هل تريدنا ان نترحّم على الصهيوني أيها البطل المُمانع؟!

عندما نشر الزميل حسان الزين روايته التوثيقية المسماة “سمير القنطار: قصتي”، عن تجربة 30 عاماً من اعتقال الشهيد سمير القنطار في السجون الإسرائيلية، قرأتها بسرعة ولهفة كون هذه الشخصية من ابرز الرموز الوطنية التي دفعت ثمنا غاليّا جدا.

ففي الليلتين اللتين قرأت فيهما هذه القصّة الحيّة عشت فيهما العذاب، وتأثرت كثيرا بمعاناة الأسرى، ولا زلت أتخيّل حجم التضحيات التي يعيشيها الأسرى في السجون الأسرائيلية الجحيميّة.

إقرأ أيضاً: السجون السرية في سورية «صندوق أسود» يخبئ فظائع نظام الأسد

لكن للجحيم الصهيوني جحيم آخر يماثله، ولا يقلّ هولاً وفظاعة عنه هو جحيم السجون العربية، من سجون النظام العراقي خلال حكم صدام حسين الى سجون النظام السوري التي يعرفها اللبنانيون جيدا، وكانوا يروُونها كقصص من الخيال، وأيضا سجون كل الأنظمة الحاكمة من المحيط الى الخليج.

ومن المعروف ان سجون النظام السوري، التي خبرها اللبنانيون جيدا ممن وقعوا في أيدي مخابرات البعث في لبنان طيلة ثلاثين عاما وأكثر- وكانوا يُساقون لمجرد تشابه بالأسماء أو وشاية خبيثة، كما حصل مع الأسير المسيحي في رواية مصطفى خليفة “القوقعة”- الى سجن تدمر او سجن المزة او صيدنايا وغيرها، فلا يعرفها السجين الا كرقم ورمز، ومن كان يخرج من أحدها، بقدرة قادر، كان يروي المهولات والقصص الخيالية، كتلك التي صورتها “القوقعة”. حتى لنخال ان أسماء بعض السجون تكاد تكون ماركة مسجلة في فنون التعذيب.

فما روته “القوقعة” التي صدرت قبيل انطلاق ما يُسمى بالثورة السورية في العام 2011- هذه الثورة التي انطلقت مدنيّة وتحولت عسكرية- صدرت في العام 2008 لتوّثق عالما خارج المألوف والمنطق والعقل وخارج الحياة الإنسانية وخارج التصور، فالعقاب كان على تهمة تبدو تافهة، ولكنها عظُمت امام أساليب التعذيب العربي البعثي الوحشي.

السوريالية في التعذيب هي جزء من الحقد الدفين على كل حرّ او مخالف لسياسة البعث الرسمية، فسجن 13عاما لشخص نتيجة وشاية من مخبر مثقف يتلصلص على المثقفين في الخارج لا تقع الا خارج أي تصديق.

هذه الرواية- الواقعية الفجة بحقيقتها، المرّة بصورها، الذابحة من الوريد الى الوريد الذهني، المفجرة لشرايين المخ الصغيرة، الرهيبة من خلال اعادتنا الى المرحلة الوحشية التي مرت على البشرية قبل ظهور الحضارات والديانات- دفعتني للسؤال كيف لم يفكر الأسرى في هذا السجن سجن تدمر الصحراوي بالإنتحار الجماعي؟ أبسبب عقيدتهم الدينية التي تمنعهم من قتل النفس؟ معى أنهم في طور الموت الواحد تلو الآخر!

اللافت في الرواية هو انها تنقل صورة مصغرة عن المجتمع السوري، لان السجن يضم كافة طبقاته وتوجهاته السياسيّة، اضافة الى الصورة الدقيقة للسجن الكبير في الخارج بدءا من اقارب المساجين وأهليهم وصولا الى الطبقة السياسية، وعن السجانين واحوالهم ونفسياتهم وأنماطهم. الا ان ما غيّبته الرواية التلصلصيّة هو ذكر السجناء العرب، ومنهم على وجه الخصوص اللبنانيين الذين كانوا بالمئات ولا زالوا.

وما يُخشى منه هو حال الأمهّات اللبنانيات عدا عن السوريّات عند قراءة هذه الرواية الإجرامية الفظيعة التي دفعتني للتقيوء والشعور بالقرف، وذكرتني بما كان يُروى عن سجون صدام حسين بحق معارضيه.

والى الان يعلّق البعض على ثورة السوريين بالقول أنهم كانوا يعيشون بطمأنينة الطعام والشراب مع قليل من الذل والخنوع والإستبداد. حيث برر مثلا الشيخ ماهر حمود مؤخرا الخلل في مسألة الحريات وحقوق الإنسان نظرا لدور النظام في قطار “الممانعة”!

نقول لمن يبرر هذه المعادلة، ان الممانعة إذن هي التي جنت على سورية، فخرّبتها بـ”معارضات” عسكرية كان يمكن لهذا النظام ان يدعها تعيش وتتنفس كمعارضة مدنيّة لم يشأ لها هذا النظام ان تعيش.

السجّان الاسرائيلي والسجان السوري توأمان.. لكن السجان العربي يُخرجك من السجن الى العدم واليأس والإحباط وربما القبر، اما السجّان الإسرائيلي فله الفضل في اشعال الإنتفاضات تلو الإنتفاضات، وفي التحديات، وفي المواجهة والمقاومة، والا كيف يم

كن للأسير الشهيد سمير القنطار ان يواصل الدرب ويُكمل المسير، وان يبقيّ على ابتسامته التي هي نوع آخر من المقاومة كما هو حال شهداء فلسطين والهبّة النارية الجديدة.

إقرأ أيضاً: جاد الحاج ابن عرمتى الجنوبية (2/2): سجن عادل داخل بيروت يحلّ أزمة السجون

السجّان العربي فاق باجرامه الصهاينة.. فهل هذا هو دورك أيها السجان؟ هل تريدنا ان نترحّم على الصهيوني أيها المُمانع؟

انك تقدّم له خدمة جلىّ من وراء إرهابك أيها النظام .. كم قوقعة نحتاج وكم أسف نُبدي ليس لقصة “مصطفى خليفة”، بل لما أبداه وأظهره من سجن داخل سجن عاشه هذا الأسير مع إسلاميين متخلّفين، رجعيين، يتمظهرون اليوم بصور داعشيّة، هي الأخرى مرعبة، في حال تسلمت الحكم وقادتنا نحو الترّحم من جديد على الأنظمة البائدة والزائلة قريبا..

ايها النظام اترك للمعارضة المدنيّة ان تخرج الى النور ولا تساهم في خلق “أسرى دواعش”.. فنكون قد دفعنا كمواطنين عرب الثمن مرات ومرات.

السابق
نعم لـ 14 آذار جديد يقلب الطاولة فوق رؤوسكم جميعًا…
التالي
بالفيديو: «حزب الله»… القصة الحقيقية