القتيل الفلسطيني والقتيل السوري

كاذبون أولئك الذين هبّوا على صفحاتهم لنجدة القتيل الفلسطيني على أيدي سلطات الإحتلال الإسرائيلي، ولم ينبسوا بكلمة حق عن القتيل السوري على أيدي جماعة بشار الأسد.

 

كاذبون فعلاً، وكذبهم أساء لقتيلنا الفلسطيني قبل أن يسيء للقتيل السوري. فإشاحة النظر عن الثاني تكشف مرةً جديدة عن حقيقة أنّ الإنحياز للأول هو جزء من خطاب الحروب الأهلية التي يخوضونها. تلك الحروب التي تُخاض بإسم فلسطين وأهلها، وتلك الأنظمة التي استبدت بمجتمعاتها مغلفة استبدادها وإجرامها بخطاب القضية.

 

والحال أن القتيل السوري هو امتداد لنظيره الفلسطيني، وهو توسيع لمفهوم القتل عبر جعله عاماً وصلفاً وغير مكترث بصورة أو بمعنى. وما السكوت عن قتيلنا في سوريا سوى نزع للقناع عن فضيحتنا بقتيلنا في فلسطين. فبشار الأسد قتل القتيل الفلسطيني بعد أن قتله بنيامين نتنياهو، بأن جعله في مرتبة رقمية أدنى. مئة قتيل سوري في اليوم في مقابل عشرة نظراء فلسطينيين لهم في كل موسم عنف هناك. أليس في ذلك افتئات على المأساة السورية؟ أليست فجيعتنا بالنظام في سوريا أكبر من فجيعتنا بنظام الاحتلال في فلسطين؟

 

بشار الأسد أتاح لنتنياهو رفع أرقامه، وهو إذ تمسك خلال قتله السوريين بخطاب اللغو القومجي دفع نحو سوء تفاهم بين القضيتين، وقد صار لزاماً على فلسطين أن تقول كلمتها في القضية السورية، ذاك أن نظاماً يقتل شعباً باسمها.

 

اليوم تبدو فلسطين مسرحاً لقتل نخبوي ومُعزز بخطاب وخطة ووجهة. لدينا قتيل هناك وقتلى هنا، ولدينا نظام يغذي نظاماً. هذا حرفياً ما يجري. فنتنياهو أطلق العنان لآلة القتل على وقع زيارة جنرالات روس تل أبيب. وقام رئيس أركان جيشه بتأجيل لقائه في تل أبيب مع نائب رئيس أركان الجيش الروسي لمدة ثلاث ساعات، قام خلالها الأول بزيارة مواقع جيشه في الضفة الغربية، وقالت الصحافة الإسرائيلية إن خطوة تأجيل الاجتماع هي نوع من استثمار التنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في انتزاع شرعية إضافية للعنف حيال الفلسطينيين.

 

القتيل هناك هو امتداد للقتيل هنا، وبينما يعلن الممانعون تفهّمهم لتنسيق الجيش الروسي خطواته في سوريا مع الجيش الإسرائيلي، يستحضرون القتيل الفلسطيني بصفته قرينة على صحة خطابهم. فأي صفاقة هذه، وأي إساءة للقتيل وتسهيل لمهمة القاتل.

 

قبل بدء المأساة السورية، كان واحدنا يعتقد أن ثمة مؤمنين فعلاً بأن “الممانعة” وجهة لاستعادة الحق السليب في فلسطين. المأساة السورية كشفت أن هؤلاء لا يشكلون أكثر من 5 في المئة من حملة هذا الخطاب. فقد امتُحِن هذا الخطاب في سوريا فتساقطت أوراق التين عن المضمون الانقسامي والاستبدادي لـ”الممانعة”.

 

النظام في سوريا ساوم على بقائه بحفظ أمن إسرائيل، واستمر الممانعون في الوقوف إلى جانبه. وهام هم الروس يُقدّمون على نحو علني ضمانات للإسرائيليين فيما الممانعون يحتفلون بقدومهم إلى سوريا. وها هو الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيين معززاً هذه المرة بغطاء دولي إضافي، والممانعون ينتزعون القتيل من أهله هناك ويعلنونه قتيلهم.

 

يجب تحرير القتيل الفلسطيني من أيدي هؤلاء. هذا على كل حال ما فعلته متظاهرة في القدس عندما رفعت هناك علم الثورة السورية.

(NOW.)

السابق
انتفاضة أخرى.. مختلفة تماماً
التالي
اعتصام أمام سراي عكار رفضا لجلب النفايات إلى القضاء