فلسطين ـ إسرائيل العرب و.. إيران

«الانتفاضة الثالثة»، لم تبدأ بعد، حتى ولو يطلق الغربيون عليها «انتفاضة السكاكين». استمرار التصعيد يقود الى الاقتراب من نقطة اللاعودة. الشروط لمثل هذا التحول تكاد تتوافر بقوة. الكثيرون يَرَوْن حتى الآن انه «لن تقع الانتفاضة الثالثة لأن الثانية التي وقعت عام فشلت وأنتجت الكثير من الكوارث الى جانب الخسائر الضخمة في الناس والحجر، اكثر من ذلك ان السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس «ابو مازن» لا تملك «قماشة» المقاومة السلمية فكيف بالشعبية والمسلحة، وأنه يوجد حالياً الف موظف يعيلون مليون فلسطيني فاذا لم يحصلوا على رواتبهم، كيف يعيشون؟».

إذن لماذا التصعيد مستمر، عكس كل ما يوحي به السكون السابق والمعطيات اليومية منذ سنوات؟

في البداية كانت انتفاضة الأقصى. لم يتحمل الفلسطينيون ان يفصل الاسرائيليون مكانيا بين قبة الصخرة (القبة الذهبية) والمسجد الأقصى وان تعمل اسرائيل لتدمير قبة الصخرة الذهبية وإنشاء جسم عند باب المغاربة وبناء كنيس على حائط الحرم القدسي، وان يمنع المقدسيون من دخول الحرم بالقوة وان يتجول اليهود في كل المواقع. هذا في الظاهر وان كان شديد الأهمية. كون الشباب الذين يهاجمون بالحجارة والسكاكين هم بين سنة و سنة فان ذلك يطرح أسئلة عديدة منها:

[ هؤلاء الشباب هم جيل اتفاق أوسلو الذين يعيشون حالة صعبة من «الستاتيكو» اي صفر تقدم في تنفيذ الاتفاقية في وقت يتابع المستوطنون برعاية الحكومة الإسرائيلية قضم الاراضي الفلسطينية، والحكومة الإسرائيلية مصادرة الاراضي التي هي للفلسطينيين حسب اتفاق أوسلو.

[ ارتفاع منسوب لامبالاة العالم كله بما يحصل في الاراضي الفلسطينية يوميا، مما دفع الشباب الفلسطيني الى القول عاليا: العالم لا يتذكرنا الا عندما «ندق الأجراس ولو بدمائنا وأحجارنا»!! والعرب منشغلون في «دوائر النار» التي لا يبدو انها ستنطفئ في المستقبل المنظور.

كل هذه الانشغالات العربية التي امتزجت بمواقف سياسية وتنفيذية صعبة وحساسة قد ساهمت في ارتفاع منسوب العزلة الفلسطينية وبالتالي البحث عن أبواب اخرى لطرقها وتحريك الوضع.

[ ان القضية الفلسطينية التي تحولت لدى بعض الأنظمة العربية الى ورقة سياسية يتم توظيفها لخدمة بقائها واستمرارها في السلطة، تكاد تصبح مع ايران حالة مماثلة، خصوصا بعد ان تصالحت مع الشيطان الأكبر وعملت على استبدال اسرائيل التي كانت توصف بالسرطان الذي يجب استئصاله بالمملكة العربية السعودية لأنها وقفت مع الشعبين السوري واليمني. حركة «حماس» التي كانت تدعمها بالمال والسلاح منذ إنجازها انفصال غزة عن الضفة تخلت حتى عن مساندة الفلسطينيين وحاجاتهم المعيشية (لم يتم تقديم مساعدات لإعادة ما تهدم في غزة بعد الحرب الإسرائيلية الاخيرة) لأن «حماس» التحقت بالاخوان المسلمين، وأصبحت «حماس» شعارا يرفعه المرشد آية الله علي خامنئي بأنه لا يساند الشيعة فقط وإنما ايضا السنة والدليل دعم «حماس». وقد وصل التحول الإيراني بعد الانخراط الشامل في سوريا ووقوف «حماس» ضد هذا الموقف ان الناطقة الرسمية مرضية أفخم تحدثت عن احداث الضفة والاقصى وكأنها ناطقة باسم دولة ليست على علاقة ملتزمة بفلسطين، فقد قالت: «ان هذا الإجراء اي تقسيم الأقصى مرفوض ومدان لأنه لا يحق لإسرائيل ذلك»، وبعد ان دانت الهجمات الإسرائيلية، أعربت عن قلقها من سياسة «تهويد القدس والمسجد الأقصى».

[ نمو اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يرى «كل العرب ارهابيين يجب قتلهم». الاعتداءات اليومية ضد الفلسطينيين خصوصا الأطفال منهم تؤكد هذا التوجه. الاسوأ ان من سيرث حكومة نتنياهو قد يكون ليبرمان ورفاقه من الأكثر تطرفا وكراهية للفلسطينيين وللسلام.

[ ان انتفاضة عام قام بها الشباب الملتزمون اما بـ»فتح» او «حماس». حاليا الشباب يتبعون نبض الشارع وليس أوامر الحركتين وهم من شرائح متعلمة وتريد حياة أفضل. استنادا الى تحقيقات في الصحافة الفرنسية ان «الشباب» يقولون لقد انتفض وثار الشباب في «الربيع العربي» وهم لا يملكون ما يؤهلهم للنجاح او حتى لتحريك الميادين والشوارع فلماذا ليس نحن؟ ايضا وجد نتنياهو في هدوء الفلسطينيين وانشغال العرب بـ «ربيعهم» وما استتبعه من اشتعال النيران فرصة لا تتكرر لإنهاء اي فكرة لقيام دولة فلسطينية او حتى تأمين العيش العادي والأمن للناس العاديين في الضفة، اما غزة فان كل المعطيات تؤشر الى انها لن تعود صالحة للسكن حوالى عام .

بنيامين نتنياهو ومحمود عباس يدركان ان الوضع يكاد يفلت من أيديهما لذلك يحاول كل واحد منهما على طريقته وقف التدهور، لأنه من الصعب وضع حدود للانتفاضة وضبط مسارها، مع كل ما يجري في المنطقة من مواجهات وحروب.

اكثر ما يعمل «الشباب» عليه هو الا يتم جرّ الانتفاضة متى وقعت كليا نحو «العسكرة» لأن في ذلك التمهيد لإسرائيل الى ابعد من تكرار ما حصل عام ، وذلك في دفع شرائح واسعة تحت عامل اليأس نحو «الدعوشة» مما يمنحها حرية الحركة والتدمير بحجة الانخراط في الحرب الكونية ضد «داعش».

(المستقبل)

السابق
الأسد المتهالك على وقع.. «انتصارات» 8 آذار
التالي
لماذا ممنوع علينا ادراك ما يحدث في سوريا ؟