من روائع غازي قهوجي: المرأة والآخر…

كان يتقن غازي قهوجي فنّ الكتابة أيضا اتقانه لفنون المسرح والديكور وتصاميم المشهديات والوانها، وهذا النص الذي كتبه عام 2012 لهو دليل على صحة ما نقول، وغني عن القول ان القلم خير من ينبئنا بصفات صاحبه فيرينا مدى جمالية افكاره، ومكانة شخصه، وحساسية وجدانه.

الآخر هو الحاجة والضرورة، والمُرتَجى والمُرَاد، وهو مَن ينقل الانسان من “حال” الوحدة والوحشة والمراوحة، الى “مقام” الإلفة والتفتُّح والانطلاق.

من دون “الآخر” تبقى الحياة مغلقة، رتيبة، أحادية المعنى والدلالة والتأويل، وتكون أسيرة بوجه ما تخلف من ظلام “الماضي”، وكفيفة أمام وهج وألق وسطوع ضوء “الآتي”.

“الآخر”، هو ذاك الذي لا يشبهني، ولا أُحاول أنا أن أذوب فيه، كما هو لا يسعى الى الانصهار بي.

هو من يستدرجني – طوعاً – الى فرادته المتجدّدة ويدركني – عميقاً – بخصوصيَّتي، لنتوازن معاً بالتنوع المستقل المنتج المؤدِّي الى تواصل في الرؤى الحاضنة والحامية لقيمة وقِيَم الوجود.

“الآخر”، هو لي كما أنا له: المحفّز والمحرِّض والمنافس والمرآة، فمن دونه تقف الرحلة ويضيع المسار.

وهو من أتسابق معه على زرع الجديد ونِشدان السلام في الارض القفر اليباب، وأجهدُ معه للتميِّيز بين فِعْلَين جاذبَيْن لاقطَيْن: فعل “نَظَر” وفعل “رَأَى”، ونعمل كلانا على الخروج من دائرة البصر الى فضاء الرؤيا الكلِّية، وذلك من دون خيانة سخاء وجود وكَرَم العين.

مع “الآخر” تتشكّل “الثنائية” التي تُؤَنْسِنُ الحياة وتهندسُ وجودَها وعطاءَها وديمومَتها. فعندما يغيب “الآخر” أو يُغيَّب: يجفُّ ماءُ الشعر وتنحطُّ الموسيقى وتذوي المخيّلة وتموت الروح.

“الآخر” هو الحب ومعنى الانسان، وجوهر الحرية، ولبّ الانتماء.

“الآخر” هو تكامل الوجود وسبب الوجود والجدوى من هذا الوجود.

الآخر بالنسبة لي هو المرأة .

السابق
الأسد: عدم نجاح التحالف سيؤدي لتدمير المنطقة بأكملها
التالي
السيد محمد حسن الامين: موجة الابتعاد عن الدين سببها التطرّف الإسلامي