«القديس» عمر الأطرش

بين ثنايا ردود الفعل الشعبية على تسريب أشرطة التعذيب من سجن رومية لعدد من النشطاء الاسلاميين، دلالة لا ينبغي ان تمر مرور الكرام.

نجم شريط التعذيب، وأحد ثلاثة التقاهم وزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق هو الشيخ اليافع المثير للجدل عمر الاطرش.

 

الاطرش اوقفته مخابرات الجيش في 22 كانون الثاني 2014 على طريق البقاع، “بعد توافر معلومات حول ارتباطه بإرهابيين داخل سوريا، وتأليفه خلية إرهابية تضم لبنانيين وسوريين وفلسطينيين” بحسب بيان صدر عن الجيش، وقتها. ثم ما لبثت ان صدرت بحقه مذكرة توقيف وجاهية بعد الادعاء عليه بجرم الانتماء الى تنظيم ارهابي مسلح بقصد القيام بأعمال ارهابية ونقل انتحاريين وتجهيز ونقل سيارات وأحزمة ناسفة وصواريخ ومتفجرات والاعتداء على الجيش في مجدليون وجسر الاولي واطلاق صواريخ على اسرائيل وحيازة اسلحة ومتفجرات.

 

اعترف الاطرش بعلاقته ببعض كوادر كتائب عبدالله عزام وداعش وجبهة النصرة، وأقر بنقله سيارات مفخخة إلى بيروت، ثم نفى أمام قاضي التحقيق كل ما نسب إليه.

لا تُسقط هذه السيرة الاتهامية اي حقوق فردية وانسانية عن عمر الاطرش، ولا تبرر اي نوع من انواع الاذى الجسدي والنفسي الذي لحق به. ولا تبيح الجريمة بحقه وبحق آخرين، لم يظهروا لنا في هذه الشرائط او في غيرها او لم يتم توثيق تعذيبهم من الاساس.

غير ان الدلالة هنا تتصل بالصفة التي أُسبغت على الاطرش من قبل جمهور عريض، تعاطف معه ليس بوصفه “متهماً وصاحب حق كسجين” بل كرمزٍ، تجسد صورة الاعتداء عليه، صورة الاعتداء على طائفة بكاملها. فكرامة الاطرش المنتهكة ليست منتهكة، بحسب رد فعل شريحة سنية كبير، بوصفه سجيناً بل بوصفه سنياً. فاقم من هذا الشعور أن ما حصل مع الاطرش، حصل على الارجح مع آخرين لا يملكون السيرة الاتهامية نفسها، وربما مع سجناء اسلاميين انتهت مدة محكوميتهم وما زالوا في زنازين رومية، او من قضوا في هذه الزنازين اطول بكثير من مدد اي احكام قد تصدر بحقهم، بموجب التهمة الموجهة اليهم.

 

الاخطر ان بين من تعاطفوا مع الاطرش، من لا يدينون بالضرورة حتى الاعمال التي اعترف بقيامها بها (وتراجع عنها لاحقاً)، من مثيل تورطه بنقل سيارات مفخخة الى بيروت. الخطاب الحقيقي لبعض هؤلاء يقول إن ما قام به الاطرش يدخل في سياق الدفاع عن النفس في مواجهة اشتراك حزب الله، بغطاء حاد من بيئته، في الجريمة الاسدية بحق السوريين، الذين يصيرون “السنة” بحسب هذه الرواية.

الغاء الحدود بين صفة الاطرش كسجين متهم وبينه كرمز هو تماماً الغاء الحدود بين الاطرش كصاحب حق فردي وبينه كصاحب قضية عامة تتجاوز شخصه وتمثل طائفة بأكملها. هنا بيت قصيد ما حصل في رومية. وهنا الدلالة الاخطر لطبيعة رد الفعل الشعبي الذي يماهي بين ضحويته وبين ضحوية الاطرش.

فمن لم يسمع ويرَى وجع السنة في لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن لم يسمع ويرَى وجع السنة منذ السابع من ايار ٢٠٠٨، ثم التآمر على اهانة سعد الحريري وزعامته وخيارات ناسه باسقاط حكومته عام ٢٠١٠، ومن لم يسمع ويرَى وجع السنة بسبب تفاوت مقاربة الدولة اللبنانية للتورط العسكري في سوريا، بين جيش حليف لحزب الله في القتال وبين جيش مُطارِد للنشطاء السنة في الحرب نفسها، ومن لم يسمع ويرَى وجع السنة من اعتدال تيار المستقبل الذي لا يُقابل الا بالتدليس والاستخدام، سمع ورأى هذا الوجع في جسد الاطرش الذي يتلوى تحت ضربات معذبه في سجن رومية.

 

هو جسد طائفة وليس جسد سجين. لهذا سهُل اسقاط سيرته الاتهامية التي لو ثبتت بحقه لجعلته مجرماً وارهابياً بكل المقاييس، لا سيما اذا ما ثبت تورطه بتفجير سيارات مفخخة في احياء سكنية.

ولماذا لا تسهل؟ فالرجل نفى ما نسب اليه من اعترافات يقول محاميه انها انتزعت تحت التعذيب، الذي رأينا عينة منه، ولا نملك دليلا انه لم يقع عليه فعلا اثناء التحقيق؟ لماذا لا يسهل؟ فالاطرش ومن تعاطفوا معه يتابعون منذ الرابع عشر من شباط ٢٠٠٥ فنون تنصل حزب الله من جريمة إغتيال الحريري بكل انواع الادعاءات والفبركات والتنظيرات، ويحمون متهمين امام القضاء الدولي.

السؤال بغاية البساطة: لماذا جريمة الاطرش جريمة، وجريمة مصطفى بدر الدين مؤامرة؟

اذا كان لشيعة حزب الله قديسوهم، باركوا معي لسنة النصرة وداعش وكتائب عبدالله عزام قديسيهم ايضاً، وهيئوا صدوركم لدخان الحرائق وليس البخور.

(المدن)

السابق
بالفيديو كيف انهارت نيكول سابا وأغمي عليها
التالي
مصيبة عائلة سلام… الأم فتحت قبر ابنتها