في العلاقات السنية – الشيعية: بين الخلافات التاريخية والعقائدية والمصالح السياسية الانية

الشيعة والسنة

تواجه العلاقات السنية – الشيعية في هذه المرحلة ازمة كبرى بسبب التداخل بين الخلافات العقائدية والتاريخية من جهة وبين الصراعات السياسية المنتشرة في اكثر من بلد عربي واسلامي.

فهل يمكن الفصل بين الصراع التاريخي بين السنة والشيعة من جهة وبين الصراعات السياسية القائمة اليوم؟ وهل يمكن البحث عن المصالح السياسية المشتركة بين السنة والشيعة والتي توجب على الطرفين الفصل بين الخلافات التاريخية والعقائدية من ناحية وبين الصراعات القائمة اليوم والتي لن تؤدي الى اية نتيجة ايجابية مما يفرض على الطرفين دراسة كيفية تجاوز هذه الصراعات من اجل دراسة القضايا المشتركة والاتفاق على رؤية مستقبلية مشتركة؟

تحاول هذه الدراسة تحديد نقاط الخلافات التاريخية والعقائدية والسياسية بين السنة والشيعة ولكن في الوقت نفسه تبحث عن كيفية تجاوز هذه الخلافات والصراعات للبحث عن مشروع سياسي مشترك يساهم في وقف الصراعات ويضع خطة مستقبلية للتعاون بين الفريقين.

اولا : نقاط الخلافات التاريخية والعقائدية

الخلافات السنية – الشيعية التاريخية والعقائدية عديدة وهي تبدأ بالخلاف حول موضوع خلافة رسول الله محمد ومن له الحق بالخلافة بين الخلفاء الثلاثة ابو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وبين الامام علي ، وفيما يعتبر الشيعة ان المشكلة تبدأ باجتماع السقيفة والتآمر على الامام علي ، فان السنة يعتبرون ان الشيعة هم من اخترع هذه المشكلة لان الامام علي بايع الخلفاء الثلاثة وتعاون معهم وان المشكلة كانت بسبب الثورات على الخلفاء المسلمين سواء في العهد الاموي او العباسي ومن ثم تبني الشيعة افكارا ومعتقدات تخالف معتقدات اهل السنة وصولا لتعاون الشيعة مع المغول والصليبيين ضد الخلافة الاسلامية ويتهم السنة الشيعة بالتعاون مع الصفويين في ايران بهدف تشييع ابناء هذا البلد وارتكاب المجازر ضد السنة ، وبالمقابل فان الشيعة يتهمون حكام السنة بارتكاب المجازر ضد الشيعة وائمتهم وعلمائهم وانهم كانوا يشجعون العداء ضد آل البيت ومنعهم من الحكم وانهم احرقوا كتب الشيعة ورموها في الانهار واساؤوا ادارة الحكم مما ادى الى تراجع دور المسلمين في العالم.

اما على صعيد الخلافات العقائدية والفقهية فهي عديدة ولا يمكن تفصيلها في مقال واحد او دراسة مكثفة وهي تبدأ من مشكلة الخلافة والامامة وعصمة الائمة والموقف من الصحابة وصولا لكيفية الاجتهاد والاسس التي يمكن اعتمادها للاجتهاد اضافة لمبدأ ولاية الفقيه وعقائد الشيعة في البداء والرجعة .

لكن رغم كل هذه الخلافات التاريخية والعقائدية فانه لا يمكن تجاهل التعاون الكبير بين الامام علي والخلفاء الثلاثة وكذلك الاتفاق بين الامام الحسن ومعاوية ومن ثم تعاون الائمة الشيعة مع الائمة السنة لفترات طويلة وكذلك وجود مساحات مشتركة على الصعد العقائدية والفقهية والفكرية بين السنة والشيعة.

وفي مقابل الصراعات السياسية التي حصلت تاريخيا فان هناك محطات تاريخية عديدة على صعيد التعاون بين السنة والشيعة في مواجهة اعداء المسلمين وكيف كان ائمة الشيعة يدعون المسلمين للدفاع عن الخلافة في مواجهة الهجمات التي كانت تتعرض لها الامة المسلمين، وقد لعب علماء الشيعة دورا مهما في مواجهة الاستعمار الانجليزي والفرنسي ، كما كان للشيعة دورا مهما في دعم ثورات المسلمين طيلة فترات طويلة.

ورغم كل هذه الصراعات التاريخية والعقائدية والسياسية فهاهم السنة والشيعة يتعايشون في العديد من الدول وهم يحجون الى بيت الله الحرام ويصلون باتجاه قبلة واحدة ويقرأون في قرأن واحد وهناك مساحات مشتركة فقهية وعقائدية وفكرية مشتركة.

ثانيا : الصراعات السياسية وامكان تجاوزها

فأين تكمن الخلافات اليوم وهل هي خلافات تاريخية وعقائدية ام صراعات سياسية وهل يمكن تجاوز هذه الصراعات اليوم؟

لا تزال الخلافات العقائدية والتاريخية والفقهية قائمة بين السنة والشيعة ولن يستطيع احد الغائها نهائيا وان كان يمكن البحث عنها والحوار حول القضايا المشتركة وهي كثيرة وكذلك ازالة الكثير من الالتباسات حول بعض المشاكل والمواقف التاريخية والتي يتم اعادة تظهيرها اليوم، لكن المشكلة الاكبر والتي تؤدي الى تأزم الاوضاع بين السنة والشيعة في العديد من الدول والمناطق هي الصراعات السياسية والخلاف على السلطة وادارة البلاد وحصة كل طرف سياسي او حزبي ، وللاسف فان القوى السياسية والحزبية وبعض الدول تستفيد من الخلافات الفقهية والعقائدية والتاريخية لتعزيز دورها او للتحريض ضد الطرف الاخر.

لكن هل يمكن تجاوز هذه الخلافات والصراعات السياسية ولا سيما بين ايران وحلفائها من جهة وبين السعودية وحلفائها من جهة اخرى؟

من اجل الاجابة عن هذا السؤال بشكل عملي لا بد من استعراض بعض الصراعات السياسية القديمة او الحديثة والتي تم تجاوزها ونجاح المشاركين فيها الى الذهاب نحو الحوار والتعاون بدل الاستمرار في الصراع.

ومن هذه الامثلة : الصراع الصفوي – التركي والذي لا يزال يحلو للبعض الحديث عن الدولة الصفوية والمشروع الصفوي –الايراني اليوم، فهذا الصراع مضى عليه حوالي خمسمائة سنة بين تركيا العثمانية وايران الصفوية وقد انتهت الخلافة العثمانية وقامت دولة تركيا الحديثة العلمانية والتي تحتضن احزابا اسلامية وصلت الى الحكم وبالمقابل انتهت الدولة الصفوية وقامت ايران الحديثة التي حكمتها الاسرة البهلوية ومن ثم قامت الجمهورية الاسلامية ولم تعد هناك دولة صفوية واليوم فان العلاقات بين تركيا وايران من افضل العلاقات رغم وجود تباينات سياسية او فقهية او تاريخية ، لكن حجم التبادل الاقتصادي بين الدولتين يصل الى عشرات المليارات من الدولارات وهناك تنسيق دائم بين قيادات الدولتين.

ومثال اخر الصراع بين ايران ودولة الامارات المتحدة والجميع يعرف ان الامارات تتهم ايران بالاستيلاء على ثلاث جزر وهي تطالب ايران بان تعيد لها السيطرة على هذه الجزر وبالمقابل ترفض ايران ذلك وتدّعي ان لها حق قانوني في هذه الجزر ، لكن رغم هذا الخلاف الي يمتد لعشرات السنوات فان العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية والمالية بين الدولتين مستمرة ولايران وللايرانيين عشرات المليارات من الدولارات في البنوك الامارتية.

وذا اردنا ان نستعرض الصراعات والحروب التاريخية بين دول العالم وكيفية تجاوزها والتحول من الصراع الى التعاون فهناك مئات الامثلة واوروبا تاريخا وحاضرا افضل النماذج وقد جرت فيها حروب عديدة وهي اليوم تعمل في اطار اتحاد مشترك وكذلك العلاقات بين اميركا واليابان والمانيا واليوم تسعى اميركا لتجاوز الخلافات والصراعات التاريخية مع ايران وكوبا.

وفي لبنان ورغم الخلاف المستمر بين تيار المستقبل وحزب الله فقد جلسا الى طاولة الحوار وهما يشاركان في حكومة واحدة والعلاقات بين مختلف القوى السياسية والحزبية في لبنان مرت بمراحل من الصراع والتعاون وهناك امثلة كثيرة على ذلك.

اذن في الخلاصة : فان الصراعات السياسية والحزبية والصراعات بين الدول لا يمكن ان تستمر ولا بد من البحث عن حلول سياسية وتسويات والصراع السعودي – الايراني الذي يلقي بظله المباشر على العلاقات السنية – الشيعية ويؤدي لتأجج الخلافات بين السنة والشيعة يمكن البحث عن حلول له من خلال دراسة المصالح المشتركة ومعالجة النقاط الاشكالية خصوصا ان هذه العلاقات مرت بفترات ايجابية رغم الخلافات بين الدولتين في اكثر من مرحلة.

ولذا لا بد من دراسة اسباب هذا الصراع ووضع الاقتراحات والافكار لمعالجته وبذلك نساهم في تخفيف التوتر في العالم العربي والاسلامي ، مع التأكيد بان ليس كل الخلافات في هذه المنطقة سببها ايران او السعودية او هي بين السنة والشيعة ، فهناك خلافات داخل المحور الواحد وبين الحلفاء وابسط نموذج على ذلك ما يجري في ليبيا ومصر فالخلاف سني – سني وبين دول المحور الواحد ، فقطر وتركيا والاخوان في محور ومصر والامارات والسعودية في محور اخر.

السابق
هذا ما كان يحضّره الحوار لعرسال
التالي
التعصب ضد حزب الله كالتعصب له