نصرالله: لنختلف على اليمن.. ولنحيّد لبنان

إتخذت النبرة التي خرج بها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، بخطابه، أمس، حول اليمن، في الظاهر، منحى هجومياً تصاعدياً غير مسبوق، باتجاه السعودية، حتى عدَّه البعض الهجوم الأعنف من نوعه واستحضر فيه تاريخ آل سعود، ليخلص الى «خطر سياسة السعودية على العرب والمسلمين، وخاصة قضيتهم المركزية، فلسطين».

بهذا تخرج القراءة الأولية للخطاب، أمام جمع غفير في مجمع سيد الشهداء في الرويس، جاء متضامناً مع الشعب اليمني، وميَّزه حضور من أهل البلد، تفاعل مع الخطاب الناري.
لكن من يقرأ بين سطور الخطاب، يخرج بمعنيين رئيسيين يبدو ان نصرالله، برغم النبرة العالية، شاء إيصالهما الى الرياض والعالمين العربي والإسلامي، مع تشديده وتكراره أن السعودية ستخسر في اليمن:
الأول، في رسالة الى السعودية مؤداها ان المعركة معها ليست عبثية وهي ليست من دون هدف، بل إن المطلوب تسوية في اليمن، شرطها الأول وقف السعودية الحرب على الشعب اليمني. وهو أشار في هذا الاطار، الى ان الوقت كفيل بإفهام السعودية ان حربها لن تكون رابحة. أي، بمعنى آخر، أعلن نصرالله ان السعودية «التي نطلب لها الخير والاستقرار»، ستقتنع في المستقبل ان حربها اليمنية خاسرة، وستعود لطلب التسوية. بمعنى أوضح، الحل مع السعودية وارد.. شرط وقف العدوان، وقد شكر نصرالله باكستان على موقفها، وغازل مصر التي اعتبر انها لن تتورط في المخطط السعودي.
المغزى الثاني، تمثل في تركيزه على البعد العربي للصراع، بوجه من أرادوه عربياً ـ فارسياً. وقد بدا هذا الامر جلياً مع الحيز الكبير الذي خصصه نصرالله للحديث عن الأصالة العربية لأهل اليمن، متناولا نسبهم العربي الضارب في القدم.
الخطاب تركز على الموضوع اليمني، لكن نصرالله ختمه برسالة ذات مغزى وجهها الى أخصامه اللبنانيين، بأن لا يحتفلوا من اليوم بالانتصار في اليمن ويعيدوا مشهد الإخفاق السوري بالنسبة إليهم، مؤكداً، في المقابل، ان على الجميع الاحتفاظ والإعلان عن موقفهم في اليمن، حضارياً، على ان يتم العمل بين الجميع لتحييد لبنان وعدم نقل الصراع اليمني إليه.
سأل نصرالله في خطابه: هي حرب عربية على من؟ على شعب عربي؟ على العرب الأقحاح؟ انظروا إلى سحنتهم، إلى لهجتهم، إلى لغتهم، إلى شِعرهم، إلى أدبهم، إلى بلاغتهم، إلى فصاحتهم، وانظروا إلى شهامتهم وشجاعتهم وحماستهم وأبوّتهم وإبائهم للضيم ونخوتهم وغيرتهم وكرمهم وجودهم. اليمنيون لا يحتاجون إلى شهادة على عروبتهم ولا يحتاجون إلى شهادة على إسلامهم، بل أقول: من يعتدي على الشعب اليمني اليوم هو الذي يجب أن يبحث عن شهادة على إسلامه وعلى عروبته.
أضاف: اليوم لا يوجد في العالم العربي ولا في العالم الاسلامي ولا أحد يقبل ـ إلا من يمشي بالـ«فلوس» ـ لا يقبل أحد أن هذه حرب سنية ـ شيعية، هذا عدوان سعودي على اليمن لأهداف سياسية.
وسأل: من الذي يهدد الحرمين الشريفين؟ الشعب اليمني؟ «أنصار الله»؟ أي مكون في الشعب اليمني؟ الجيش اليمني؟ ليجيب: التهديد يأتي أولاً من «داعش». ثم من داخل السعودية، من داخل الفكر الوهابي والثقافة الوهابية.
وذكر بأنه «بعد أن سيطر عبد العزيز آل سعود ـ يعني الملك المؤسس ـ على بلاد الحجاز. وفي سنة 1926 في شهر نيسان، قام أتباعه الوهابيون، انطلاقاً من ثقافتهم ومن فكرهم، بتهديم كل الآثار الدينية والتاريخية لرسول الله باستثناء القبر.. القاضي الذي ذهب إلى المدينة المنورة كان لديه قرار مفوض ومتخذ، قرار محسوم بهدم قبر رسول الله، ولكن خرجت الصرخة في العالم الإسلامي، قامت القيامة في مصر، وفي الهند، وقتها كانت باكستان ما تزال جزءاً من الهند، وتركيا، إيران، العراق، بلاد الشام، والدول الأفريقية، كل العالم الاسلامي. لكن أيضاً من باب الصدفة أن أكثر بلدين كان لهما تأثير على منع الملك عبد العزيز آل سعود من أن يسمح بأن يمضي الوهابيون بهذه الخطوة كانا مصر والهند».
وتوجه الى اللبنانيين: يمكنكم أن تستحضروا حرب تموز وتروا الشبه بكل شيء، لتكتشفوا أن الحرب واحدة والعقل واحد والإدارة واحدة والأهداف واحدة، والنتيجة ستكون أيضاً واحدة.
وتناول نتائج العدوان قائلا: بعد 22 يوماً من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي والبحري والغارات الكثيفة والشديدة، وتقديم كل أشكال الدعم الاستخباري واللوجستي من قبل الأميركيين وأيضاً كل أشكال الدعم التي تقدمها السعودية لـ«داعش» و«القاعدة» الذين يقاتلون ومن معهم وحلفاؤهم في الداخل، أنا أريد أن أتكلم عن الفشل في إعادة عبد ربه منصور هادي وحكومته إلى اليمن، هو ما زال في الرياض، وهم حددوا بالحد الأدنى إلى عدن أو صنعاء، فلم يعد لا إلى عدن ولا إلى صنعاء.
وتابع: قبل العدوان إذا كان هناك من أمل في مكان ما، بحوار، بتسوية، أن يعود عبد ربه منصور رئيساً، هذا الأمل انتهى بعد العدوان، ولا يمكن لأي تسوية سياسية أن تعيد عبد ربه منصور رئيساً.
وبعد ان اكد ان عدن بمعظمها هي في عهدة الجيش اليمني وعند اللجان الشعبية، أشار الى الفشل في تحويل المواجهة إلى مواجهة داخلية بين زيدي وشافعي، أو في المعنى الأوسع بين سني وشيعي، وبالمعنى الجهوي والمناطقي، بين جنوبي وشمالي وشمالي وجنوبي.
واعتبر نصر الله ان قيادة «أنصار الله» تمارس الصبر الإستراتيجي، وشدد على ان اليمنيين لم يلجأوا إلى خياراتهم الحقيقية بعد.
وتابع: «نحن نعتقد أن الأمور تحتاج إلى القليل من الوقت ليقتنع النظام السعودي أن الأفق مسدود وهذا شعب لن يركع ولن يستسلم ولن يخضع، وأنت ليس لك مصلحة أن تكمل هذه المعركة، إعمل معروف إنزل من على الشجرة، ويوجد في العالم من ينزله من على الشجرة»، داعياً العالم الإسلامي الى التدخل.
وبعد ان توجه بالشكر الى سوريا «لأنكِ صمدتِ، وشكراً سوريا اليوم لأنكِ لم تستسلمي، وشكراً سوريا اليوم لأنكِ لم تخضعي لهذا الفكر التكفيري الأسود»، قال: «آن الأوان أن يقف المسلمون والعرب والعالم الإسلامي ليقولوا للمملكة العربية السعودية كفى.. كفى». أضاف: اليوم سؤال لكل الشعوب العربية، هذا الفكر الذي تحمله الجماعات التي تدمر المجتمعات، بالعراق ما حصل بالمسيحي والأيزيدي والشيعي والسني الذي لا يحمل فكراً وهابياً وبالكردي والعربي والتركماني، هناك مجتمعات دمرت، من الذي يدِّرس هذا الفكر؟ بكل وضوح هي المملكة العربية السعودية وبأموال المسلمين وبأموال حج بيت الله الحرام».
وأكد ان «الخاسر الأكبر في كل ما جرى ويجري منذ سنوات إلى اليوم هو فلسطين، والرابح الأكبر هو إسرائيل». وسأل: اليوم «القاعدة» وفروعها في العالم من أين؟ «داعش»، «النصرة»، «بوكوحرام» في نيجيريا، أسوأ وأسوأ، «حركة الشباب» في الصومال..؟
وختم بنصح «بعض اللبنانيين»: هدّئوا أحصنتكم. ولا مشكلة في الانتقاد، طبعاً، ليس من الصواب أن نشتم بعضنا بعضاً ولا أن نعتبر النقد شتائم. اليوم في المسألة اليمنية ليحتفظ كل منا بموقفه، ليعبر عن موقفه وعن قناعته وعن رأيه بالطريقة التي يراها مناسبة مع التوصية بالالتزام بالحدود والضوابط الأخلاقية، لأني أدَّعي أني ملتزم بها، وفي نهاية المطاف نحن هنا في لبنان نريد أن نعيش سوياً ونكمل سوياً ونواصل سوياً ونعمل سوياً. كما عملنا على تحييد لبنان عن المأزق أو الأزمة أو الصراع في سوريا برغم مخاطره الكبرى، كذلك نحن لا نريد أن ننقل هذا الخلاف وهذا الصراع في الموضوع اليمني إلى لبنان.

(السفير)

السابق
إحالة شخصين يدعيان الشفاء من الامراض المستعصية
التالي
الثروة الغازية اللبنانية: من هم «زبائننا»؟