توسيع قاعدة التفاهم القطري – السعودي إقليمياً

كان لافتاً الحوار الذي خص به الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني مساعد وزير الخارجية القطري لشؤون التعاون الدولي صحيفة «العرب» القطرية الأسبوع الماضي لناحية التأكيد على الثوابت في السياسة الخارجية القطرية ولناحية التأكيد أيضاً على خصوصية العلاقة التاريخية التي تجمع بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية والعلاقات الوثيقة التي تجمع قيادتي البلدين، وفي كون المملكة تظل الأهم إقليمياً بحكم ثقلها ووزنها الاستراتيجي.

في الحوار ذاته، كان هناك تصريح واضح بدعم دولة قطر للسياسة السعودية في ملفات العراق وسوريا واليمن تحديداً، وهو أمر بديهي يشير إلى تطابق الرؤى بين البلدين بخصوص تشخيص المشاكل التي تعاني منها هذه البلدان وبخصوص الحلول المقترحة. هذا النوع من التعاون والتنسيق في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة أمر مهم وتتطلع له شعوب المنطقة بمجملها، لكنّ حجم هذه التحديات ومداها يجعلنا نقول إن هناك ضرورة أيضاً لتوسيع دائرة الدول التي تشارك دولة قطر والمملكة هذه الرؤى.
ويصبح الأمر أكثر إلحاحاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الانقلاب التاريخي غير المسبوق لتوجهات السياسة الأميركية في المنطقة والتي تضرب التوازن الاستراتيجي الذي كان قائماً في ميزان القوى بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي منذ عقود طويلة، الأمر الذي يهدد بانتشار حالة عدم الاستقرار والفوضى التي تضرب المنطقة. لقد أنهت إدارة أوباما بمبادراتها الخاطئة للتقرب من إيران سياسة الاحتواء التقليدي التي اتبعتها مختلف الإدارات الأميركية السابقة منذ الرئيس كارتر، وقد سمح لإيران بالتمدد بشكل مقصود في المجال العربي ليكون ذلك بمثابة الجزرة التي تغري إيران بالتوقيع على الاتفاق النووي الذي يسعى إليه أوباما بشدة وأن تضمن ذلك تقديم تنازلات غير مسبوقة لحكومة طهران.
من الواضح أن الإدارة الأميركية تتجاهل مصالح ومخاوف الدول العربية، وطالما أن هذه الدول تعمل بشكل منفرد فإن قدرتها في التأثير على القرار الأميركي وتوجهاتها ستكون في حدّها الأدنى. الحل الذي يجب على الجميع أن يبحث عنه الآن هو تكوين تكتّل إقليمي جديد يحظى بقرار مستقل وقدرة على الحركة والمواجهة، وهذا يتطلب موازنة التوسع الإيراني من جهة والضغط على القرار الأميركي لمراجعة حساباته من جهة أخرى.
إن توسيع الأجندة القطرية-السعودية لتضم تركيا سيساعد على تحقيق هذه الرؤية، ولا شك أن قيادتي البلدين على درجة كبيرة من الوعي والحكمة تدل على أنهما ماضيان بالفعل في هذا الطريق، فتركيا تشترك أيضاً مع قطر والسعودية في الرؤية نفسها لطبيعة المشاكل التي تعاني منها هذه الدول والحلول المطلوبة لها.
تبقى المعضلة المصرية للأسف معطّلة لتشكيل قطب عربي–تركي يؤدي المهمة المذكورة وتحتاج إلى علاج سريع. لا أحد يختلف على أن أمن واستقرار مصر هو أمر مهم وحيوي لجميع الدول العربية، لكن المشكلة اليوم أن أكثر من يقوّض الأمن المصري هو السيسي نفسه بسياساته الداخلية والخارجية المسدودة الأفق. السياسة الخارجية المصرية اليوم متناقضة تماماً مع سياسات قطر والسعودية وتركيا إزاء الملفات الساخنة في المنطقة، والمثير للاهتمام أن مصر قلب العروبة لا تبدو متحسسة أبداً لاحتلال إيران لأربع دول عربية حتى الآن، وللتوسع الهائل الذي يقوم به النظام الإيراني في الساحة العربية وهو ربما الأوسع له منذ قرون في العالم العربي.
المعضلة المصرية تحتاج إلى مبادرة سعودية للحل، لأن استمرار الوضع المصري الداخلي على حاله سيؤدي إلى انفجار مصر وهذا سيكون كارثة على مصر والدول العربية جميعاً. ونحن بجاة إلى توسيع المثلث ليصبح مربعاً أيضاً بانضمام مصر. الجانب التركي كان أبدى مرات عديدة خلال الأشهر القليلة الماضية علناً وسراً استعداده لتطبيع الوضع مع مصر حال تغيّر سياسات السيسي، والمملكة قادرة اليوم بما تملكه من تأثير سياسي واقتصادي ومالي أن تدفع السيسي إلى تغيير سياساته والقبول بتسوية تسمح لمصر بإعادة الانطلاق محلياً وإقليمياً من جديد وأن تكون سنداً للمثلث القطري-التركي-السعودي، وقطع الطريق على من يريد أن يشكل محاور عربية أخرى لن تؤدي إلا إلى استنزاف العرب في معارك خاطئة وبالتالي زيادة قوة طهران والحركات المتطرفة في المنطقة كما حدث في السنتين الماضيتين.

(العرب)

السابق
اللقاء التشاوري يلتئم في دارة سليمان في اليرزة
التالي
حكاية امرأة سورية تزوّجها داعشي وأنجب منها وباعها