بعد العرض

في النهاية هو ليس من هنا. ليس مثلنا. هذا ما قاله ذات مرة إيهود باراك عن بنيامين نتنياهو. حينها لم يكن واضحاً قصد باراك من كلمة «مثلنا»، إذ إن باراك نفسه ليس بالضبط مثلنا، وهو منذ زمن ليس من هنا وإنما صار أكثر من هناك. ولكن هذا تشخيص دقيق، وكلما مرّت سنوات ولاية نتنياهو، اتضح أنه ضيّع الفرصة مع الشعب الذي اختاره زعيماً.

سارة نتنياهو كانت الأولى، وربما الوحيدة أيضاً التي لاحظت: كان ينبغي أن يكون رئيسا للولايات المتحدة، كما قالت في ذلك الشريط لدى مونيك بن ميلخ، زوجة إيلي مويال. ربما أنها بالغت قليلاً، فنتنياهو، رغم كل شيء من مواليد أميركا. ولكن لم يعد سراً أن نتنياهو منذ زمن غدا أكثر سيناتور جمهوري مما هو رئيس حكومة إسرائيل، معلقاً أكثر مما هو صانع قرارات، خطيباً لامعاً أكثر من رجل تنفيذ.
إذا كان خطاب نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس يُقاس بمعايير حفلات الروك أو الموسيقى، لكنا سنخرج منها منفعلين. وربما كنا سنتجوّل حتى اليوم بإحساس بالراحة. ولكن الخطاب السياسي ليس حفلاً موسيقياً. الخطاب السياسي معدّ لتحقيق غاية. والسؤال في هذه الحالة، إذا كان نتنياهو حقق الغاية التي سافر من أجلها إلى واشنطن. لو أن وضعنا أفضل اليوم ولو بمليمتر مما كان قبل أن يسافر. وهل في اعتبارات الربح والخسارة، تفوقت الفائدة على الخطر. يبدو لي أنه من قاع البرميل الذي جرّنا إليه نتنياهو سيصعب الحصول على أي فائدة، عدا فائدته الشخصية. والأمر لا يقتصر فقط على الفائدة على المدى القصير، عندما يتحدّى رئيس حكومة إسرائيل المجلس التشريعي للتصويت ضد موقف الرئيس الأميركي. على المدى القصير، حتى إذا كانت سابقاً فرصة ولو ضئيلة لأن يصوّت أعضاء الكونغرس وفق ضميرهم وأن يعرضوا أغلبية 60 في المئة لإسقاط فيتو الرئيس، فقد جعل نتنياهو هذه الفرصة صفراً. فشيء أن تجنّد عضو كونغرس ديموقراطياً للتصويت وفق ضميره، وشيء مختلف أن يصوّت ضد رئيسه. لكن هناك أيضاً الضرر على المدى البعيد. والضرر سيحدث لإسرائيل في حالات نحتاج فيها للرئيس الأميركي ولا وزن فيها للكونغرس. مثلاً، استخدام الفيتو في مجلس الأمن. مثلاً الضغط على المنظمات الدولية، كما فعلت الإدارة الأميركية حينما هدّدت مجلس حقوق الإنسان بتقليص الميزانيات. مثلاً، التهديد بفرض حظر على السفن البريطانية، حينما هدّد اتحاد بريطاني بمقاطعة السفن الإسرائيلية.
وهذا مثل أن يكون في الحي صبي مشاغب لا يجرؤ أحد على المس به لأن أخاه أزعر – وفق ما عرض أمامي مسؤول سياسي العلاقات بيننا وبين الأخ الأميركي الأكبر. فحصة الأسد من علاقاتنا الخارجية، كما قال، مكونة من صدامات مع دول أخرى، تخشى الأخ الأزعر. الآن الأمر انتهى. وإذا لم ينته، فهو مستقبلا سيضعف بشكل حاد. وتقريبا تفهم المنظومة الدولية، أن الأخ الأكبر لن يأتي في كل مرة يمسّون فيها الأخ المشاغب. إذن هم لن يوقفوا المساعدات. ولكن هذا سيحدث في كل الأمور الأخرى. لقد فقدنا، على الأقل في العامين المقبلين، هذه الحماية.
وهكذا، بلامبالاة لا نظير لها، وقف نتنياهو على منصة مجلس النواب الأميركي بذريعة القلق على وجود دولة إسرائيل وألقى خطاب البقاء الأشد تفاخراً أبداً. ولو كان قلقه الحقيقي هو الذرة الإيرانية، لكانت هناك سبل عديدة لمواجهته عدا الدخول مثل فيل إلى حانوت زجاج المجلس التشريعي الأميركي للتحريض على الرئيس.
وكان بوسعه الاتصال بأوباما وطلب الاجتماع به قبل التوصل إلى قرار. كان بوسعه لقاء شخصيات مركزية من الكتلتين في مجلس الشيوخ ويعرض أمامهم حججه. وعندما أراد شارون توضيح شيء للأميركيين، كان يرسل إليهم ضباط استخبارات كبار، بل ورئيس شعبة الاستخبارات، كي يجلسوا معهم على المواد الاستخبارية المتوفرة ليوضحوا خطورة المشكلة. وهو بالتأكيد لم يكن يدخل في صدام مع الرئيس الأميركي.
ويعرف نتنياهو أميركا أكثر من سواه. كما يفهم أن ما فعله هو دفع أوباما أكثر نحو اتفاق سيئ، كما وصفه نتنياهو، من منطلق اعتبارات تظاهرية. فإذا غيّر الرئيس موقفه، سيقال إنه فعل ما تريد إسرائيل. كان ينبغي لنتنياهو أن يعرف أنه ليس لخطابه أي فرصة في تغيير موقف الرئيس، وإن كانت فرصة للتغيير، فهي في اتجاه التشديد. لكن الأمر الأهم: لو كانت نيات نتنياهو طاهرة، وكان الخطر الإيراني فعلاً مقصده، لأجّل الخطاب إلى ما بعد الانتخابات. وتأجيل أسبوعين، هو الفارق بين خطاب مشبوه بأنه جزء من نشاط سياسي فظ لإنقاذ نتنياهو وخطاب كان سيعتبر خطوة سياسية لإنقاذ إسرائيل. فقط أسبوعان يفصلان بين نيات مغرضة ونيات جديرة.
ويتمتع نتنياهو بميزة الشك، التي تقضي بأنه لم يقدر شدة المعارضة. فعندما عقد رون دريمر في واشنطن، الصفقة من أجله، لم يتوقع نتنياهو ما سيحدث. وكمتورط مدمن وقع في خيوط ومزوق علاقاتنا المركبة مع الأميركيين. وفي خطابه تجنّب المسّ بكرامة الرئيس وسرية الموضوع. لقد أبدى الحذر لدرجة أن كل المادة التي عرضها، كما قال، يمكن العثور عليها في غوغل. ويبدو لي أنه قام بتحديث الموضوع: أيضاً في مجلة «الأطفال» يمكن العثور على المعلومات الجديدة التي عرضها نتنياهو أمام السيناتورات. وإن كان الأمر كذلك، لماذا الضجة؟ ألم تكن تكفي مقالة في نيويورك تايمز؟
وفي الدعاية الانتخابية لليكود أجريت مقارنات بين نتنياهو وزعماء مثل أشكول، بن غوريون، وبيغين، الذين لم يترددوا في الصمود في مواجهة الولايات المتحدة. هناك فارق واحد بين هؤلاء ونتنياهو: الاختلافات مع الأميركيين كانت نتيجة لحروب أو عمليات عسكرية. مع بن غوريون في حرب قادش 1956، أشكول حرب الأيام الستة 1967، بيغين قصف المفاعل العراقي وشارون حرب لبنان، وكل الصدامات جرت بعد وقوع الأمر. ولكن ماذا عن الخطاب؟ مَن يعرّض للخطر علاقاته مع حليفه الوحيد بسبب خطاب. مَن سلاحه الوحيد هو الكلمات. مَن هو القوي بالكلام والضعيف بالأفعال. فقط شخص كهذا يمكنه أن يظن أنه سيغير العالم بخطاب واحد.
افتخار تشرتشل

يوم الثلاثاء، فور خطاب نتنياهو في الكونغرس، بعث الليكود برسالة لأعضائه تحمل رابطاً لخطاب رئيس الحكومة تحت عنوان: «خطاب كان تشرتشل سيفخر به. أنا أيضاً فخور بنتنياهو». ويعرف السائرون في دروب نتنياهو الملتوية أن رئيس الحكومة دأب على استخدام تشرتشل كمصدر إلهام. والآن تبين أن الحال هو العكس: تشرتشل هو مَن سيفخر به.
ولكن حتى الخطاب المذهل لم يفلح في بث الحياة بين أوساط نشطاء الليكود. وهم يصفون الأجواء في الفروع بالعجز. والقاعدة تبدو ميتة، كما قال مسؤول ليكودي. أمر لم أر مثله منذ سنوات. لا نشاط، أناس مقموعون، وميزانيات بائسة وأيضاً حروب داخلية في الفروع.
ويتبين أن تعيينات الوزراء وأعضاء الكنيست كمدراء مناطق كانت أشبه بنكتة. فمن أجل التظاهر بالتعاون، قام نتنياهو بتوزيع البلد إلى مناطق وعين أعضاء الكنيست مدراء: أردان، جمليئيلي وأكونيس في تل أبيب، سيلفان شالوم في النقب، شتاينتس في حيفا، هنغبي وألكين في القدس، كاتس في الساحل. ولكن عملياً من تلقوا الميزانيات والمسؤوليات هم رؤساء البلديات أو رؤساء الفروع. عملياً خصى نتنياهو أعضاء كتلته.
وهناك أجواء هزيمة، وفق اعتراف واحد منهم. الوزراء بدأوا يتطلّعون لليوم التالي. وحتى تجاه خطاب الكونغرس هناك مقاربة مختلفة: من جهة رئيس حزبنا هو الخطيب رقم واحد ونحن نفخر به. من جهة أخرى كان توقع بأن نفهم لم كان مهماً جداً عنده إلقاء هذا الخطاب. إذن صحيح عشية الانتخابات والجميع سيدافع عنه، فلا مفرّ. ولكنهم ينتظرون اليوم التالي. سمعت وزيراً، كما يقول المسؤول الكبير، يقول إنه يفضل أن يكون تداور في رئاسة الحكومة مع هرتسوغ. على الأقل سيكون لدينا نتنياهو فقط لعامين، كما قال، عليه أن يذهب. والجدل في الليكود تغيّر تماماً. إذا كانت الشجارات قبل شهرين حول مَن هو الوزير الذي سيتولى تلك الحقيبة الهامة، وكان هناك إيمان بأن الليكود سيكون حزباً لديه أكثر من 30 مقعداً، فإن الجدل اليوم مختلف. اليوم يتحدثون عن هزيمة.
ويواصل المسؤول الكبير كلامه، فقط اليوم اتصل بي أحد النشطاء من مركز البلاد. وروى لي أن كل عائلته قررت عدم التصويت لليكود بسبب مسألة السكن. ولن تصدقي لمن يريدون التصويت: ليائير لبيد. إنهم غاضبون جداً، لدرجة أنهم يفضلون التصويت للبيد الذي قال إنه لا يتعهد بالتوصية على رئيس الكتلة الأكبر، فقط من أجل أن لا يكون نتنياهو رئيساً للحكومة. وحسب رأيهم، فإن الإثبات بأنهم يواجهون هزيمة هو تجنيد جدعون ساعر. وهذا الأسبوع ظهر في مهرجان لليكود في حولون، سوية مع بيغين وأكونيس. واليوم، الجمعة، يفترض أن يظهر في هود هشارون. وفي جلسة الصباح لهيئة الانتخابات المركزية لليكود أثير هذا الأسبوع السؤال لماذا يعود جدعون ساعر. فما الذي يعرفه، ونحن أعضاء الهيئة، لا نعرف؟ فهل هو يتوقع أن يخسر نتنياهو ولذلك يعد نفسه لليوم التالي؟ وفي محيط ساعر يرفضون هذه المزاعم بشكل مطلق. ويقولون إن ساعر يؤيد الليكود في كل الأوقات. وهو ببساطة استجاب لطلبات تصل إليه. طلبات من القاعدة، كما يؤكدون، وليس من طاقم الانتخابات.

ويوم الأحد المقبل سيجري في حدائق المعارض مؤتمر لنساء الليكود بمناسبة يوم المرأة العالمي. وضيفة الشرف هي سارة نتنياهو، التي ستصل برفقة زوجها رئيس الحكومة. والمتحدثات: نافا بركير، رئيسة طاقم النساء في الليكود، وعضوات الكنيست جمليئيلي، حوتبولي وريغف. وفي هذه الفرصة الاحتفالية ستودع نساء الليكود الوزيرة ليمور ليفنات، التي تميّزت علاقاتها مع زوجة رئيس الحكومة في ولايته الأولى بعبارة «لا نتنياهو يوم السبت». هذا ما سمعته ليفنات من سارة نتنياهو، عندما تجرأت على الاتصال إلى بيت رئيس الحكومة.
في الليكود كانوا يروون حينها، أن لقاءات رئيس الحكومة مع وزيرته كان يجري تمويهها في يومياته بلقاء نتنياهو مع يهوشع متسا. فقط خوفاً من زوجته. الله كيف تغيّرت الأوقات. وربما لم تتغيّر.

(يديعوت)

السابق
لاعب نادي المبرة مهدي جمال فرج يقضي صدما على طريق المطار
التالي
الحياة بعد غبار النجوم