انفصام وازدواجية في الاستراتيجية الخليجية:دعم في العراق ومواجهة في اليمن

كل متتبع للسياسات الخليجية في مناطق النزاع المحيطة بدول الخليج، يقع في حيرة وارتباك، وهو يحاول فهم اهداف وتطلعات السياسة الخليجية، ونتائجها على المستويين القريب والبعيد..خاصةً مع الانخراط في تحالف دولي لقصف ثوار العراق، بعد اتهامهم بانهم مرتبطين بتنظيم داعش المتطرف، وكان جزءاً اساسياً من العراق بما وبمن يقطنه من عرب وأكراد وغيرهم من العرقيات والاثنيات والمذاهب والطوائف.. هم جزء لا يتجزء من تنظيم داعش، وبالتالي يجب محاربتهم وقصفهم بالطائرات والمدفعيةن مما دفعهم ليكونوا جزءاً من تنظيم بالقوة وبالفعل لا رغبةً منهم ولا بقرار.. ومن ثم تم إطلاق العنان لميليشيات طائفية مذهبية متطرفة تكفيرية تابعة لإيران ونظامها الديني الشمولي المتطرف ليمارس ابشع الجرائم.. باعتراف العالم اجمع والسيد مقتدى الصدر وهو احد المراجع الشيعية في العراق..، وكان دول الخليج وعلى رأسهم السعودية باتت موافقة على ان تتسلم ايران زمام السلطة في العراق من خلال عملائها.. (المناذرة الجدد) على حساب العرب اصحاب الأرض والقضية.. وفي الوقت الذي يتم فيه اتهام تنظيم داعش بالتطرف والتكفير والقتل وممارسة ابشع الجرائم، يتجاهل العرب قبل الغرب جرائم الميليشيات الإيرانية وجرائم “المناذرة العرب” عملاء ايران في العراق وسوريا ولبنان…بحق المواطنين العرب وغير العرب في كلٍ من هذه الدول… لماذا..؟؟ لا احد يملك مفاتيح تفكيك وتحليل وفهم ماهية الموقف العربي الخليجي وحتى الاردني الأخير الذي يشارك بقوة في خدمة المشروع الإيراني في العراق وهو أول من أماط اللثام عن مشروع الهلال الشيعي عام 2005، دعا مؤخراً إلى حوار عربي – ايراني… فقد دعا وزير الخارجية الأردني ناصر جودة اثناء زيارته طهران ولقائه بروحاني .. إلى حوار بين الجامعة العربية وإيران، وقال إن «عدم الاستقرار والعنف والتطرف تجذرت في المنطقة في السنوات الأخيرة، ونعتبر أن وحدة الدول الإسلامية وتماسكها، والحوار مع أشقائنا الإيرانيين في شأن المسائل الإقليمية أمر ضروري». وأضاف: «من الجيد أن تقيم الجامعة العربية حواراً عربياً – إيرانياً، تماماً مثل الحوار الذي تقيمه مع دول أخرى».

يحاول بعض المحللين والسياسيين ترجمة او محاولة القاء الضوء على بعد نظر دول الخليج في تعاطيها مع الملف الإيراني، وشرح استراتيجية المملكة السعودية ودول الخليج عموماً، بالحديث عن تحالفات جديدة ومحاور إقليمية سوف تبصر النور قريباً لمواجهة الهجمة الفارسية على الدول العربية.. ولكن الواقع اليوم في كلٍ من العراق وسوريا واليمن لبنان، يدل بل يؤشر على تورط إيراني مباشر في الحرب على ابناء الارض وأخوة الدين والنسب والمصالح المشتركة والقضية الواحدة؟ ومع ذلك فلا نرى او نقرأ او نسمع سوى مواقف الادانة والتنديد التي لا تصدر عن مسؤولين رسميين بقدر ما تكتب بأقلام صحافيين موالين وتابعين لهذه الدول.. ودون القيام بأي فعل مباشر او حتى غير مباشر لردع ايران ووقف محاولاتها لزرع الخوف والقلق والفوضى والتدمير في بلادنا..؟
أما في الجهة الأخرى من الجزيرة العربية، أي على جبهة اليمن غير السعيد في هذه الأيام، فنرى موقف خليجي واضح صارم يرفض التدخل الإيراني لدعم ادواته من ميليشيا الحوثي التكفيرية… إلى جانب تأييد رئيس اليمن هادي منصور، والتأكيد على شرعيته وبداية التواصل معه في عاصمته الجديدة عدن…؟ فالعراق وسوريا بأهمية اليمن تماماً من حيث الموقع والدور والاستهداف الإيراني..؟؟ إذاً على اي اساس نرى تباين في خطة العمل ومسالك المواجهة؟ والتعامل مع الواقع اليمني على انه يمثل خطورة استراتيجية…. فيما نظام العراق المذهبي الطائفي وميليشيات ايران فيه تحظى بكل دعم ومساندة عربية ودولية.. رغم ان العراق له حدود مشتركة مع الاردن والكويت والمملكة السعودية وسوريا… وهو ممر ايران الاجباري والوحيد برياً نحو سوريا ولبنان؟والبحر المتوسط؟
وفي محاولة متواضعة لفهم  خطورة وتداعيات ما يجري على العالم العربي وعقم السياسة العربية المتبعة نتوقف عند النقاط التالية:
-إن هبوط سعر النفط سوف يؤدي إلى زعزعة استقرار ايران المنغمسة في حروب متعددة وتقاتل على جبهات مختلفة..ولكنه في نفس الوقت يجعل من دول الخليج عرضة لأزمات اقتصادية ايضاً والمعركة الاقتصادية يصبح الانتصار فيها رهن من يستطيع الصمود والصبر اكثر من الأخر… ولهذا فقد حذر احد القادة الايرانيين جمهوره مؤكداً على ضرورة الصبر وتحمل الصعاب الاقتصادية حتى تحقيق النصر..؟؟ اي انه يعتبر ان ضريبة الانتصار هي تحمل معاناة مرحلية؟؟
-إن شراء السلاح بكثافة والقيام بمناورات متعددة، تستنزف مالية واقتصاد معظم دول المنطقة العربية، وبالتالي، فإن الانفاق على السلاح والتدريب دون وضع استراتيجية هجومية او محاولة دعم القوى المؤيدة في دول الجوار أو حتى تعزيز ودعم القوى الإيرانية المعارضة للنظام الديني في طهران تماماً كما تفعل طهران في البلاد العربية من دعم ومساندة وتمويل لكافة القوى المؤيدة لها (المناذرة العرب).. فإن هذا الانفاق لا قيمة له ولن يستثمر سوى في معارك تخدم العدو قبل الصديق كما يجري اليوم في العراق.. حيث يقصف طيران التحالف ومن ضمنه الطيران الخليجي والاردني إلى جانب الإيراني مواقع الثوار والمدن العراقية المنتفضة.. فيما الميليشيات الإيرانية إلى جانب الجيش الفئوي في العراق.. تستفيد من هذا الدعم المجاني لخدمة مشروعها..؟
-لا تملك دول الخليج وتلك الأخرى أية رؤية موضوعية لمستقبل المنطقة والدول المحيطة… فلا هي تعمل على توحيد قوى الثورة العربية ولا هي تعلن صراحة تأييدها للأنظمة التي تنتفض شعوبها ضدها.. مما يترك مسار الازمة يسير في فوضى مطلقة.. ويسمح لايران التي تقود المواجهة برؤية موحدة وباهداف واضحة وصريحة ممسكة بزمام اللعبة والمعركة.
-لقد اخطات دول الخليج عندما فاضلت في علاقاتها بين تركيا ومصر الانقلاب..فاختارت الوقوف إلى جانب نظام الانقلاب وقطعت علاقاتها مع تركيا.. التي تملك حدوداً مشتركة مع إيران، ومع سوريا… وهي تعتبر ثاني قوة عسكرية في حلف الناتو، إلى جانب أنها اهم شريك اقتصادي لايران في المنطقة وبإمكانها دون شك التأثير على الموقف والدور الإيراني من ضمن استراتيجية عربية – تركية مشتركة.. وإذا كانت دول الخليج وقفت إلى جانب الانقلاب في مصر لاسباب تعنيها، فهذا لم يكن يعني انه كان عليها قطع علاقاتها او تجميدها مع دولة قوية ومؤثرة مثل تركيا.. مما ترك الدول العربية والخليجية وحيدة واسيرة الموقف الأميركي الذي يتلاعب بمصير المنطقة ويؤسس لحالة عداء طويلة بين مكوناتها إلى جانب إيران وادواتها..؟
-لقد سبق وأشارت الولايات المتحدة إلى انها لن تنخرط في أي حربٍ جديدة في المنطقة بشكل مباشر وانها سوف تعتمد على حلفائها…لخوضها.. مما يعني ان على العرب وضع استراتيجيتهم.. لا ان تضعها الولايات المتحدة لهم.. او ان يكون تحركهم مجرد ردة فعل فورية وعفوية على موقف إيران وقرارها بالتدخل في هذه الدولة او تلك الذي تم تخطيطه بعناية.
-يحاول البعض الاشارة إلى متغيرات دراماتيكية تكون اشبه بالانقلاب في موقف المملكة السعودية من مصر ونظام حكمها…ولكن هذا الوصف او التحليل أو حتى التمني اذا كان كذلك هو غير موضوعي فالسياسات الخارجية لا تتبدل بتبدل الاسماء ولكن بتغير الاستراتيجيات والاهداف.. وربما الامكانيات.. وهذا غير متوفر حتى الساعة.. ولكن من الممكن ان تهديء المملكة من مسار نظام السيسي العدائي نحو غزة وليبيا وثوار سوريا،  فيبتعد عن الانخراط في صراعات اقليمية مع غزة او ليبيا.. وتشجيعه على ان يبدأ بسياسة تهدئة داخلية ومصالحة وطنية مع الاخوان وسائر القوى الثورية في مصر.. لمواجهة اخطار المرحلة الحالية..وعزل وزير الداخلية ربما يكون مؤشر على هذا النهج.
-لم تستطع دول الخليج او بما ليس من ضمن اولوياتها بناء علاقات واضحة ومتينة ومنهجية مع بعض القوى السياسية في الدول المستهدفة من قبل إيران.. فهي لا زالت تعول على الانظمة وادواتها بعكس السياسة الإيرانية التي تدعم مجموعة من الميليشيات للتأثير على السلطات الحاكمة في الدول المستهدفة.
أما فيما يتعلق بالموقف الايراني واهداف السياسة الايرانية في المنطقة فيمكن القول:
-إن من حقنا ان نتساءل لماذا لم تتوجه السياسة الخارجية الايرانية نحو دول وسط آسيا، تماماً كما تتوجه نحو دول الشرق الأوسط العربي… والسبب بسيط، وهو ان دول وسط آسيا لا زالت مرتبطة بشكلً ما بالسياسة الروسية وهي لا تريد صراعاً مع روسيا قبل آوانه.. وجزئياً بالتركية ولا ضرورة لمواجهة تركيا اليوم.. ولكن دول منطقتنا غنية بالنفط، إلى جانب المراكز والمدن الدينية التي يلتفت إليها كل مسلمٍ في العالم ويتوجه نحوها.. ومن يمسك بها امسك بقرار العالم الإسلامي ومؤسساته ومناسكه الدينية.
-لقد اسست ايران قوى مسلحة مؤيدة لها كما أسلفنا على طريقة (المناذرة العرب) وهي القبائل العربية التي كانت في خدمة الأكاسرة الحاكمين في بلاد فارس إبان عظمة إمبراطوريتهم… وقد اعتمدت عليهم إيران اليوم كما اعتمد كسرى عليهم في السابق..لإثارة النعرات والقلاقل والبلبلة ووقف عجلة الحياة السياسية والدورة الاقتصادية لإضعاف هذه الانظمة واستقرارها تمهيداً لوضع اليد عليها.. وهذا ما حدث في اليمن ولبنان.. وهذا ما يقاومه ثوار سوريا والعراق؟
-لقد ادركت إيران ان الولايات المتحدة ودول الغرب لا تريد الانخراط المباشر في الحرب..العراقية والسورية؟ ومصر لا قدرة لها على اتخاذ موقف سياسي فكيف بالموقف العسكري. ودول الخليج لا طاقة لها على خوض حرب عسكرية دون دعم خارجي وهو غير متوفر، ثم إن العلاقة مع تركيا ضعيفة وهشة وغير مستقرة.. فانخرطت ايران حينها مباشرةً في الحرب.. للتأثير في مجرياتها إلى جانب الميليشيات المؤيدى لها.. في سوريا والعراق واليمن.. كما سبق وتصرفت في لبنان.. والحرس الثوري الإيراني موجود في لبنان؟ منذ سنوات طويلة؟
-تدرك إيران أن الحصار الاقتصادي المفروض عليها إلى جانب هبوط سعر النفط الهائل والسريع سوف يترك آثاراً مدمرة على استقرارها الداخلي، لذلك فهي تمسك بزمام الأمور في الداخل الإيراني، بقبضة حديدية، وتحاول كسب المزيد من الاوراق التي تخدمها على طاولة المفاوضات واهمها عدم استقرار دول المنطقة، وقد اشار روحاني إلى ان استقرار الشرق الأوسط مرهون بالحوار مع طهران.. التي تؤثر على قوى محلية مؤيدة لسياساتها..إلى جانب التدخل المباشر الذي يجعل منها لاعب مباشر في لعبة تقاسم النفوذ والأدوار على الساحة الإقليمية..
-والملف اليمني أعطى إيران ورقة قوة اضافية جعلها تمسك بكافة معابر النفط الخليجية نحو العالم من هرمز على الخليج العربي إلى باب المندب الذي يعتبر أيضاً مدخل البحر الأحمر وشريان حياة قناة السويس المصرية…؟؟؟ وتهديد التجارة الاسرائيلية مع الصين والهند…؟؟ ودول الشرق الأقصى؟
إذاً المطلوب من دول الخليج وهي التي لا زالت تنعم بالاستقرار المني إلى الآن وهي التي تملك القدرات المالية والاقتصادية القادرة على تغيير موازين القوى.. إلى جانب انها هي المهددة مباشرةً بالتوسع الإيراني والهيمنة الفارسية والدينية المذهبية على المنطقة في حال نجحت.. بأن تعيد تقويم استراتيجياتها على المستويين السياسي والعسكري، لأن ازدواجية الاستراتيجيات وتباينها ما بين اليمن والعراق وسوريا ولبنان، تفقدها المصداقية واوراق القوة.. لذا عليها ان تعيد النظر في مواقفها من الثورة العراقية وطريقة مواجهة التطرف والتشدد، وان تكون أكثر تأييداً للثورة السورية، وان تساعد لبنان على التخلص من كابوس الاحتلال الفارسي المقنع بقوى سياسية ومؤسسات لا طاقة لها على المواجهة بل لا رغبة لديها في ممارسة دورها…وعلى دول الخليج ان تدرك ايضاً خطورة استمرار الخلافات مع بعض الدول والاحزاب وعلى رأسها الاخوان المسلمين في مصر وغيرها.. وعليها أن تسعى للملمة الصف العربي والإسلامي لأن المعركة اليوم مع إيران هي معركة وجود وليس تقاسم نفوذ ومقدرات وثروات؟

(المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات)

السابق
مانويل فالس:10 آلاف «جهادي» أوروبي في 2015 في سوريا
التالي
زوجات الكتّاب: معاً في الحب والعمل والموت