الحالة الإسلامية وانعكاساتها في الربيع العربي (2)

الحالة الاسلامية والربيع العربي
ينشر موقع جنوبية على حلقتين مقالاً طويلاً للأستاذ حسان قطب، مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حول الحالة الإسلامية في العالم العربي وترواحها بين الترهيب والتصويب. وهنا الحلقة الثانية.

يستكمل الكاتب في هذه الحلقة الثانية موضوع الحالة الإسلامية بين الترهيب والتصويب.
لقد أصبحت إدارة ملف ازمات المنطقة العربية ودول المنطقة كما يبدو من هذا المنطق مسؤولية دول الخليج، لا لأنها تملك رؤية او نظم سياسية مثالية يمكن اقتباسها او تركيب وتطبيق نماذج مشابهة لها في دول الربيع العربي، بل لأنها تملك المال الذي يمكن ان يمول حروب وصراعات وانقلابات عسكرية. وتأمين استقرار مؤقت بالشكل المطلوب دولياً قبل ان يكون عربياً وشعبياً.ودون ان يؤخذ رأي أو تلبية طموحات شعوب المنطقة. من المؤكد بل الأكيد بأن احد يقبل بأن يهيمن الارهاب او الفوضى على الساحة العربية والدولية، وإلا لماذا لم يكن سلوك التطرف والغلو سائداً قبلاً في هذه المنطقة، ولماذا لم يكن الارهاب ثقافة مطروحة على بساط البحث، والمعالجة والمواجهة. إن انطلاقة الربيع العربي وانتفاضة شعوب المنطقة لم تكن ضد الاستقرار والاعتدال كما يشاع ويروج، بل ضد الظلم والقهر والاستعباد الذي مارسته الانظمة القمعية بحقها.. وإلا ما الذي دفع بوعزيزي، لحرق نفسه في تونس، وما هو الدافع الذي اطلق العنان للشعب السوري ليقاوم تجاهل العالم لمعاناته، وليس ظلم بشار الأسد وحده طوال ما يقرب من اربع سنوات ولا يزال. سوى سياسة الاستعباد والاحتلال والتغيير الثقافي والديني والتطهير الديني الذي مارسه هذا النظام برعاية إيرانية، وما تزال هذه الحرب مسؤولية إيرانية في طبيعتها وتداعياتها ونتائجها وتكاليفها المادية والبشرية، برعاية روسية.. وبتجاهل عربي ودولي لمعاناة الملايين. وهذه الازمة لو تمت معالجتها في حينها لوفرت على العالم ودول المنطقة وشعوبها والشعب السوري الكثير من المعاناة. ولكن غياب المشاعر الإنسانية وتغليب منطق المصالح الاستراتيجية عند الدول الكبرى على حق الإنسان في العيش بكرامة وحرية، اوصلنا إلى ما وصلنا إليه، إن الخوف والقلق لدى دول المنطقة والعالم من تنامي الحالة الإسلامية الفكرية والسياسية وحتى العقائدية وعندما اتحدث هنا عن الحالة الإسلامية، فأنا استبعد تماماً الحالة الإيرانية ومن يدور في فلكها لأنها بعيدة تماماً عن فكر الحالة الإسلامية المستهدفة بل هي بعيدة عن الفكر الإسلامي وجوهره وعقيدته، ثم إن من يدور في فلك الرعاية الإيرانية تعتبر خاضعة لقيادة إيرانية مما يجعلها حالة رديفة تقاد من طهران وتوجه من قم. فمواجهتها خاضعة لسقف العلاقات الإيرانية – الدولية، مما يجعل سقف المواجهة معها محدد ومعروف الأهداف والنتائج. ومتى ينطلق ومتى يتوقف. بعكس الحالة الإسلامية التي لا يوجد لها مرجعية إقليمية او دولية، ولم ترسم لنفسها حتى اليوم شكلاً أو مساراً سياسياً واضحاً بل لم يتسن لها بحكم الاستهداف والتشكيك والعرقلة، ان تقدم نموذجاً للحكم يمكن ان نحاسبها على ادائه، او نقيّم تجربتها بموضوعية، وتجربة الإخوان ومرسي في مصر لم يسمح لها بالحياة منذ أن استلمت السلطة حتى الاطاحة بها، فهي تجربة ناقصة لم تكتمل دورتها لنقييم مصداقيتها أو نجاح حضورها من عدمه.والأولوية كانت لتقييم جمهور المصريين لها وهو الذي انتخبها ومن حقه إسقاطها او التجديد لها وليس العسكر والمال الخليجي. وإذا كان لا بد من مناقشة هذا الأمر بموضوعية نرى هنا أنه لا بد من تسليط الضوء على ما يجري من حالة ترهيب الحالة الإسلامية لتطويعها وتدجينها.. وكذلك الإضاءة أو مناقشة ما هو المطلوب من الحالة الإسلامية لتصويب ادائها وتحديد مسارها حتى تنعم المنطقة باستقرار ويحظى الشعب العربي بفترة من الهدوء التي تسمح له بتقييم وضعه وانتاج احزاب سياسية والخروج من بذلة العسكر وحكمهم ومن تخويف الاقليات وإرهابهم من تسلطها لتتعايش مع الأكثرية الموجودة فعلاً وعدداً، بدعةٍ وسلام والانطلاق نحو المستقبل بثقة.. لبناء غدٍ مشرق. لا تنتظره ثورات وصراعات ولا سلطات حاكمة جائرة ظالمة.
إن ترهيب الحالة الإسلامية ومطاردة رموزها وأفرادها والحجز على اموالها وحجب فكرها ووصفها بأبشع النعوت لن يؤدي إلا إلى:
– ازدياد حالة النفور ما بين المجتمع والعسكر.
– تزايد حالات التطرف بين الأفراد وفي المجتمع بشكل عام.
– غياب الاحزاب السياسية والحريات الإعلامية فمن يرفض حضور الإسلاميين سوف يرفض حضور غيرهم وهذا ما نشهده في مصر وغيرها.
– ازدياد حالات المواجهة المسلحة تحت مسميات وأسباب وأهداف متعددة لغياب القيادة الواحدة ولتعدد المرجعيات الإسلامية.
– غياب الاستثمار وضعف النمو الاقتصادي.
– ازدياد البطالة وارتفاع وتيرة هجرة الادمغة.
– مزيد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وهذا اصلاً ما ادى إلى اندلاع ثورات الربيع العربي، مما يعني ان على الجيل المقبل ان يخوض ثورة مماثلة فعلاً وعليه ايضاً ان يعيش سيناريو مشابه ومتكرر.
– عدم انتاج نهضة اجتماعية وثقافية متعددة وتعددية في المجتمع الذي سوف يصبح شمولياً تحت حكم قيادة ديكتاتورية وهذا السلاح عينه الذي يستخدمه من يريد محاربة الإسلاميين من اتهامهم بالشمولية ورفض التعددية، والتكفير وسوى ذلك من المصطلحات، واستهداف الإسلاميين هو استباحة لدمائهم مما يعني أن السلطات الجديدة تمارس التكفير بلغة مختلفة.
– ازدياد الهيمنة الغربية على دول المنطقة فالوجود الأميركي بعد ان كان سبباً لاندلاع ثورات اصبح مطلباً عربياً في العراق ومطلباً إيرانياً. وكذلك الوجود البريطاني والإيراني وغيره والقواعد والمستشارين الغربيين في المنطقة أصبحوا مطلباً بعد ان كانوا عبئاً.
إن على الحالة الإسلامية المتعددة الوجوه والأسماء ان تسعى لتصويب مسارها وان لا تنجرف إلى فخ التطرف الذي زرعه له من يريد ان يجعل المنطقة تعيش حالة صراع طائفي ومذهبي وفوضى لأجيال مقبلة تضيع بسببه ثروات المنطقة ومستقبل شعوبها.
– علينا ان نعترف أن الحالة لإسلامية الحزبية والشعبية قد اصبحت رقماً اساسياً وصعباً في المعادلة مما يجعل المسؤولية مشتركة بينها وبين من يريد مواجهتها. والحالة الإسلامية هذه عمرها اكثر من 1400 عاماً دون شك.وهذا برسم من لا يفهم الواقع الإسلامي وتركيبته الفكرية وحتى العقائدية.
– إن حجم وحضور الحالة الإسلامية وعمادها حركة الإخوان المسلمين الممتدة والمنشرة في كافة دول العالم تنظيمياً وفكرياً مما يرتب عليها مسؤولية الحفاظ على نقاء فكرها وتنقية صفوفها وحماية حضورها السياسي لممارسة دورها بكل موضوعية وجدية، وان الاتهامات التي وجهت أو توجه لها حالياً، لها سبق ان استعملت وعوقبت بموجبها ولكنها انتهت كما ستنتهي هذه الحملة لأن الحالة الشعبية لا يمكن تغييبها أو إلغائها.
– إن من الواجب الأخذ بعين الاعتبار حالة كل دولة أو كيان وإعطاء الحركة الإسلامية هامش واسع من الحرية للحراك ضمن ما يخدم المصلحة الوطنية وعدم ربط القضايا الإقليمية بعضها ببعض مما يترك آثاراً سلبية على الحركات الإسلامية المحلية ويفرض عليها الالتفات غلى المشاكل الإقليمية وتضييع جهودها او على الأقل تشتيتها.
– إن على الحركات الإسلامية في كل وطنٍ عربي ان تقدم رؤيتها السياسية والإقتصادية والأسلوب الأمثل الذي تراه لحل تلك المشاكل المتراكمة مع الاضاءة على من تسبب بها وراكم ضررها على ابناء الوطن.
– ضبط الفتاوى وتحديد مرجعية دينية واحدة يحق لها إصدار الفتوى حتى لا يتيه المواطن العربي في بحرٍ من الفتاوى المتناقضة وغير الشرعية وبعضها صادر عن شخصيات او قوى غير مؤهلة دينياً وفكرياً.
– على الحركة الإسلامية تطهير صفوفها من الفاسدين والوصوليين والانتهازيين ومعاقبتهم، والتأكيد في أدبياتها كما في سلوكها على التقشف والعفاف والزهد والعمل الدؤوب لخدمة أبناء الشعب دون محاباة بين حزبي ومناصر وآخر من عامة الشعب أو من معارضيها فالمسؤولية الوطنية شاملة كما تلك الإسلامية. فالعمل الإسلامي دعوة ثم سلطة وليس العكس.
– يجب ابتعاد المعممين عن النشاط السياسي لما تسببوا به من أضرار بالغة لا تحصى نتيجة الخلط المتعمد وغير المتعمد بين مفاهيم الشريعة ومقاصدها وبين الواقع السياسي والطموح لتحقيق الأهداف السياسية لدى البعض.
العالم الإسلامي والعربي على مفترق طرق فالدرب طويل والإصلاح صعب لما يعترضه عقبات من قوى انتهازية ووصولية وحكام جائرين وطغاة بثياب عسكر، ولكن التاريخ وتاريخ هذه المنطقة كان لنا مدرسة في تعلم كيفية تحقيق التغير مهما كان الدرب صعب، وقد اعطانا شعبنا وما زال في كافة الدول العربية المنتفضة دروساً في المواجهة والتضحية والبذل والعطاء وعدم التراجع والانكفاء وقضية فلسطين وانتفاضة شعبها نموذج حي، وكذلك تضحيات شعب سوريا كما العراق واليمن ولبنان اليوم. يعيشون التجربة عينها من تحمل الظلم والاستبداد والاعتقال والسجن والقتل إلى مواجهة الطغاة والطغيان والظلم والقهر. فالدم يسيل والأرامل والأيتام يبكون شهداءهم وما زال العالم يتجاهل كل هذه المعاناة بل لا يبالي حتى بمساعدة المحتاجين ويكتفي بإصدار البيانات بل ومساعدة من يظلم وتجاهل معاناة المظلوم. وأخيراً نقول إن على الحالة الإسلامية ضرور العمل على اتصويب مسارها وتصحيح ادائها، بما يتوافق مع صعوبات المرحلة الحالية، ونقول للحكام إن الترهيب لن يجدي لأن الصبح بات قريب والليل الطويل يوشك على الرحيل.

السابق
تعميم للمؤسسات السياحية بتقديم لوائح بالاسعار لحفلات الاعياد
التالي
الحاج حسن: للتصدي للاعتداءات الصهيونية على ثروتنا النفطية والغازية