بلى.. الهوى بينشرى: قوننوا الدعارة إذ يستحيل إلغاؤها

تبدأ الدعارة في "عقد النكاح الشرعي" بجانبه المالي. ويبدأ الاتجار في الخادمة المنزلية، في أبشع وجوه العبودية الحديثة. و"طانطات" الجمعيات النسوية يعلقنَ دوما في القشور، فيما هنّ أكثر المساهمين في مناقضة ما تدعو إليهنّ حملاتهنّ، وآخرها: "الهوى ما بينشرى: كافح الدعارة، كافح الاتجار".

تتعامل جمعيات “نسائية” وأخرى “حقوقية” باستخفاف مع مسألة “الدعارة. استخفاف “فيمينيّ” سطحيّ، إلى درجة مضحكة أحياناً. وجديد هؤلاء “الناشطين” و”الناشطات” حملة “الهوى ما بينشرى: كافح الدعارة، كافح الاتجار”.
أوّلا: من قال إنّ “الهوى ما بينشرى”؟ هذا افتراض خالٍ من العقل والمنطق. “الهوى”، بمعنييه، العاطفي والجنسي، قابل للشراء. وهذا ثابت في الاجتماع العربي والغربي وفي الكوكب كلّه. حتّى يمكن القول إنّ معظم الزيجات في المجتمعات العربية والإسلامية التقليدية يكون أساسها ماليّ، بين المهر المقدّم والمهر المؤخّر.
وبالتالي تبدأ “الدعارة” من الزواج الديني، حيث يكون المال أساسيا في “عقد النكاح” بين الرجل والمرأة. وهذا هو “شراء الهوى”، بمعنييه، العاطفي والجنسي.

ثم تستمرّ هذه “الدعارة” في أشكال زواج متعدّدة لا تبدأ في “المتعة” لدى الطائفة الشيعية ولا تنتهي بـ”العرفي” و”المسيار” وغيره لدى الطائفة السنية. وهذه أيضا من أشكال “النكاح” المنتشرة في الدول العربية.

لكنّ “كفى” وأخواتها لا ترفعنَ الصوت بوجه هذه الزيجات، ولا بوجه “المهر” كأسطورة يتأسّس عليها “عقد النكاح الشرعي”. هذا لأنّها جمعيات تمسك المشكلة من ذيلها وتنتظر التمويل الأجنبي الذي لا يدخل إلى عمق المشكلة الاجتماعية، وامتداداتها الدينية والتاريخية، بل تركن إلى شعارات برّاقة، غالبا ما يفضي التعمّق بمناقشتها إلى اكتشاف أنّها سطحية وعابرة.

كافح الدعارة، كافح الاتجار“الهوى بينشرى”، والدليل أنّ المجتمعات العربية، وخصوصا التقليدية والمسلمة، هي الأكثر “حَضنًا” لبيئة تسهيل الدعارة، والتقديرات والإحصاءات أكثر من أن تعدّ وأن تحصى. ففي حين أنّ “الجنس” في المجتمعات الغربية مسموح به وشائع، خارج إطار الزواج، فإنّه في المجتمعات العربية التقليدية، والإسلامية عموما (يختلف الأمر في أفريقيا حتّى يشابه الغرب) يبدو الجنس أحياناً مستحيلا إلا في إطار الزواج أو “الدعارة”، تحت طائلة قتل الفتاة أو المرأة التي تمارس الجنس خارج الزواج.

ثانيا: في الانتقال سريعا إلى شعار “كافح الدعارة، كافح الاتجار” الذي ترفعه حملة “كفى” خلال الأشهر الأخيرة، فإنّهما مسألتان مختلفتان تماما. الدعارة شيء، والاتجار شيء آخر. ولا رابط بينهما أبدا.

الدعارة كما أسلفنا أعلاه ترتبط بحاجات اجتماعية وبيولوجية وبأبواب تقليدية ونوافذ هروب من الدين والتقاليد، فيما “الاتجار” يأخذنا إلى عمل الخادمات الأجنبيات في البيوت، وإلى عمل النساء الأجنبيات في في الملاهي الليلية داخل بيروت وخارجها.

في موضوع الخادمات الأجنبيات لا تبدو الجمعيات النسائية مهتمّة كثيرا. فكثيرات من “قيادات” الحركات النسائية، من “الطانطات” والنساء الميسورات، “تملكنَ” خادمة أجنبية. وبالتالي “الاتجار” هنا مقبول!
أما في موضوع العاملات في الملاهي الليلية فهنا يبدأ الأخذ والردّ ولا ينتهي. فمعظم النساء اللواتي يأتين إلى ملاهي جونيه والمعاملتين وغيرها يعرفنَ أنّهنّ آتيات بهدف العمل في “الدعارة”. وكلّ الحملات التي تناصرهنّ لها هدف يبدو شبه يتيم، وهو تحسين شروط عملهنّ في هذه الدعارة، وليس بالطبع إنقاذهنّ منها. هنّ اللواتي لا يُرِدنَ منقذا بل محسّن شروط لا أكثر.

فحص دمبلا طول سيرة، الأجدى بـ”كفى” وأخواتها الدخول إلى عمق المشكلة. والأجدر التشبّه بدول كثيرة في أوروبا قوننت الدعارة، من حيث نتظيم سوقها كما كان الحال في بيروت قبل الحرب الأهلية. بأن تُجرى فحوصات دورية على العاملات في الجنس، بهدف منع انتقال الأمراض، وإعطاء تراخيص لهنّ لمنع العمل من خارج الإطار القانوني، وفرض ضريبة دخل عليهنّ، إذ أنّ هذا القطاع، بين الدعارة الداخلية والسياحة الجنسية، ينتج مئات ملايين، إن لم نقل مليارات الدولارات سنويا. وبالتالي قد تموّل العاملات في الجنس سلسلة الرتب والرواتب.

وعلى الناشطات النسويات التوقّف عن تكرار مطالب خاوية من المنطق والدخول إلى عمق المشكلة. “الهوى بينشرى”، فقوننوا شراءه وحسّنوا شروط الزواج أولا، والدعارة ليست فقط أقدم مهنة في التاريخ، بل ستبقى المهنة الأخيرة أيضا، حتّى أنّها ستكون موجودة بعد الموت (راجعوا حور العين) والاتجار يبدأ في العاملات داخل البيوت، فاذهبوا إلى عمق هذه العبودية الحديثة.

السابق
التحالف يستهدف معقل داعش في الرقة
التالي
جعجع: حزب الله وعون يتحملان مباشرة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان