النبطية وإقليم التفاح: أزمة مياه ولا حلول

أزمة المياه في منطقة النبطية شديدة الوطأة على أهالي المنطقة في غياب المشاريع والينابيع البديلة لمياه نبع الطاسة وآبار فخر الدين، مصدرا التغذية بمياه الشفة. لذلك فإن صهاريج المياه تجوب شوارع مدينة النبطية، والقرى والبلدات المجاورة لها بكثافة، منذ بداية شهر نيسان الفائت ناقلة حمولتها من الآبار الجوفية الخاصة، للمواطنين الذين يعانون أزمة مياه لم يعهدوها، لا سيما سكان الأحياء المرتفعة، وبكلفة تتراوح بين 20 و40 ألف ليرة للصهريج الواحد سعة 20 برميلاً، بحسب قرب أو بعد المسافة بين تلك المناطق ومصادر المياه. ويتكبد الأهالي أعباء مادية إضافية لا قبل لهم على تحملها، مما دفعهم لمطالبة المسؤولين المعنيين حل الأزمة، من خلال حفر آبار ارتوازية جديدة في وادي فخر الدين وميفدون وجزين، وصيانة الآبار الموجودة وإعادة تأهيلها، وقيام الدولة بواجباتها ومسؤولياتها لتأمين خزانات للمياه ومراقبة عمليات توزيعها على المنازل والمؤسسات.
شح المياه في نبع الطاسة، بصفته الخزان الرئيسي لشبكة مياه غالبية قرى وبلدات منطقتي النبطية وإقليم التفاح، يعتبر من الأسباب الرئيسة للأزمة، معطوفاً على مشروعي آبار فخر الدين وآبار تفاحتا، والعشرات من الأبار الجوفية التي خفت مياهها أو جفت نتيجة تراجع المتساقطات من الثلوج والأمطار خلال الشتاء الفائت. ويأتي اهتراء العديد من الشبكات القديمة وعدم استبدالها، والتعديات الحاصلة على الشبكة في بعض المناطق، وانقطاع التيار الكهربائي، ليزيد الطينة بلة، ويحول دون تغذية المشتركين بالمياه بشكل طبيعي.
ويعزو مصدر في مصلحة مياه نبع الطاسة ضعف التغذية بالمياه في منطقة النبطية إلى شح نبع الطاسة وآبار فخر الدين والآبار الجوفية التي تغذي المنطقة نتيجة انحباس الأمطار والثلوج في الموسم الماضي، مشيراً إلى أن المصلحة تعمل على «تعميق» الآبار الموجودة للوصول إلى المياه الغزيرة لتأمينها للناس. كما أن التقنين في التيار الكهربائي وضعفه انعكس سلباً على تغذية القرى والبلدات بالمياه في المنطقة بشكل عام، لا سيما تلك التي تتغذى من الآبار الجوفية العاملة على الكهرباء، لافتاً إلى أن المولدات الكهربائية التابعة للآبار لا يمكن تشغيلها طيلة فترات التقنين، بل لساعات محدودة فقط لتأمين الحد الأدنى من المياه، نظراً للأكلاف الباهظة في المحروقات التي تستهلكها.
ويلفت المصدر إلى أن مياه الشفة التي مصدرها مصلحة مياه نبع الطاسة وتوابعها من آبار فخر الدين والآبار الأرتوازية الأخرى، الموزعة في بعض المناطق، كانت تكفي معظم المشتركين من أهالي منطقتي النبطية وإقليم التفاح خلال فصل الشتاء، بينما تكاد لا تكفي أربعين في المئة منهم في الوقت الحاضر في فصل الصيف. وأكد بالتالي حاجة المنطقة إلى مصادر بديلة للمياه، تتمثل بحفر المزيد من الآبار الارتوازية في المناطق الغنية بالمياه الجوفية، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة التركيز على استعمال المياه السطحية من خلال حصرها بالسدود والبحيرات، بدلاً من المياه الجوفية التي يجب أن تبقى مخزوناً احتياطياً للمستقبل، مشيراً إلى أن المصلحة لجأت منذ سنوات عديدة، وفي محاولة لتغطية النقص الحاصل في المياه خلال الصيف، إلى حفر آبار ارتوازية وتشغيلها في محيط المركز الرئيس لنبع الطاسة.
وحول المشاريع البديلة لتأمين مياه الشفة في المستقبل لمنطقتي النبطية وإقليم التفاح يشدد المصدر على ضرورة إقامة السدود على نهر الزهراني وتنفيذ مشروع نهر الليطاني، واستخدام مشروع الطيبة القائم حالياً، الذي من شأنه تغذية القرى والبلدات الواقعة على امتداد الضفة الشمالية لنهر الليطاني في منطقة النبطية، ما سيخفف الضغط عن مياه نبع الطاسة وآبار فخر الدين، بحسب دراسة كان قد أعدها «الصليب الأحمر الدولي» عن المشروع، بناءً لطلب «مجلس الإنماء والإعمار».
ويرى المصدر أن «مياه نبع الطاسة التي يستفاد منها سنوياً بنحو 75 ألف متر مكعب من أصل 175 ألف متر، يذهب منها 100 ألف متر مكعب هدراً إلى البحر في فصل الشتاء، جراء عدم وجود السدود والبحيرات اللازمة لحصر المياه في مجرى الوادي الأخضر والزهراني، الواقع بين قرى وبلدات جرجوع، عربصاليم، كفررمان، حبوش، دير الزهراني وكفروة، بالرغم من إنجاز الدراسات اللازمة لمثل هذا المشروع الحيوي من قبل وزارة الطاقة والمياه».
ويقترح المصدر إحياء الدراسات المنجزة خلال السنوات السابقة لتنفيذ مشاريع «ظهر الدرجة ـ كفرحونة»، وسد منطقة «التومات» بالقرب من ينابيع «غريبة الفوقا» في قضاء جزين، التي تبلغ طاقتهما مليوني متر مكعب، ودراسة إحياء مرسوم استملاك الحقوق على نبع كفرحونة، إلى دراسة إمكانية تنفيذ أشغال في محيط نبع الطاسة، لزيادة كمية المياه المستخرجة من خلال تفريغ الطبقات الصخرية الواقعة بين منطقة الحصر وحدود الأملاك العامة الواقعة شمالي مجرى الوادي، وإما باستكمال ومتابعة المشروع الذي كانت المديرية العامة للتجهيز المائي قد أقرته في وقتٍ سابق لحفر المزيد من الآبار الجوفية في حرم النبع.
وفي محاولة لحل أزمة المياه في منطقتي النبطية وإقليم التفاح خلال السنوات المقبلة، يشدد رئيس بلدية عربصاليم محمود حسن على ضرورة إنشاء عدد من السدود والبحيرات في منطقة الوادي الأخضر، بين قرى وبلدات عربصاليم وجرجوع وكفررمان وحبوش، بهدف إنعاش الوادي والحفاظ على اخضراره وازدهاره، وما يفيض عن هذه المياه يمكن أن تستفيد منه القرى والبلدات العطشى في المنطقتين، لافتاً إلى أن البلدية كانت قد أعدت في وقتٍ سابق دراسة عن تطوير مياه نبع الطاسة في منطقة الوادي الأخضر. وقد خلصت إلى إنشاء ثلاث بحيرات بواسطة بناء سدود صغيرة في الوادي، وتبين من خلال الدراسة وجود كمية 25 مليون متر مكعب من المياه بين عامي 1965 و 1975 في المنطقة، بحسب الراصد المائي لمصلحتي نبع الطاسة والليطاني، أي قبل الاستغلال الكامل لمياه النبع، وبحسب الدراسة يمكن حفظ كمية مليون متر مكعب من المياه من خلال بناء سدين أو ثلاثة سدود صغيرة في عدد من الأماكن المناسبة في وادي مجرى نبع الطاسة، وبكلفة لا تزيد على مليوني دولار أميركي.
ويدعو رئيس بلدية النبطية الدكتور أحمد كحيل إلى وضع خطط مستقبلية لإيجاد مصادر جديدة للمياه، وإشراك المجالس البلدية في مصالح مياه لبنان الجنوبي لإبداء الرأي في عملية التوزيع، متوقفاً عند تأثير ذلك على الحركة التجارية والسياحية والعودة الكثيفة للمغتربين للمنطقة في فصل الصيف، مشدداً على حق الجميع في أن تتوفر لهم المياه والكهرباء كما هو حاصل في مناطق أخرى.
ويرى كحيل أنه لا بد لحل مشكلة مياه الشفة في منطقة النبطية من انتظار الانتهاء من إنشاء مشروع الليطاني، الذي بوشر العمل به منذ فترة وجيزة، وإقامة السدود على مجرى نهر الزهراني، واستحداث المزيد من الآبار الجوفية في وادي فخر الدين، وفي منطقة كفردجال الغنية بالمياه، وصيانة الآبار الحالية الموجودة وإعادة تأهيلها. ومن دون تلك المشاريع فإن المنطقة مقبلة على أزمة مياه خانقة لها أول وليس لها آخر، محذراً من التحركات التي قد يلجأ إليها المواطنون خلال الصيف الحالي احتجاجاً على عدم تزويدهم بالمياه بشكل طبيعي.
ويرى عضو المجلس البلدي في النبطية الدكتور عباس وهبي أن شح مياه نبع الطاسة التي تغذي منطقتي النبطية وإقليم التفاح، بات يشكل مع التقنين في التيار الكهربائي عبئاً اقتصادياً ونفسياً وبيئياً وحياتياً على الأهالي بشكل عام، مطالباً بحفر آبار جوفية جديدة في منطقة كفردجال ـ شوكين، نظراً لغناها بالمياه الجوفية، كما أثبتت الدراسات العلمية ذلك، مشيراً إلى أن ما يوازي كلفة إنشاء هذه الآبار يدفعها أهالي المنطقة أضعافاً مضاعفة في كل موسم صيف بدلاً لشراء المياه بواسطة الصهاريج، مطالباً بحصر جر مياه نبع الطاسة بمنطقتي النبطية وإقليم التفاح فقط، من دون غيرهما من المناطق الأخرى، التي يجب التفتيش عن مشاريع بديلة لها، لأن مشروع نبع الطاسة قد صدر بامتياز من حكومة لبنان الكبير حصراً بأهالي النبطية في عهد النائب السابق يوسف الزين.
ويؤكد وهبي أن أهالي المنطقتين دفعوا يوم تنفيذ مشروع النبع ثمناً لكل اشتراك بنصف متر من المياه لكل منزل في ذلك الوقت خمس ليرات ذهبية، لذلك فهو يعتبر ملكاً خاصاً لهم، وعلى هذا الأساس يجب أن يعود هذا المشروع لأهله كما كان عليه في السابق.

السابق
تخلّصوا من رائحة الفم الكريهة نهائياً!
التالي
قلق على نفط العراق و«الحر» يطلب المساعدة لمواجهة «داعش»