إلياس خوري في هاآرتس‮:‬ الإسرائيليون‮ ‬ يحتاجون‮ ‬لأن‮ ‬يُهزموا‮ ‬

بمناسبة ترجمة روايته‮ “‬وجوه لبنانية‮”‬،‮ ‬إلي العبرية،‮ ‬أدلي الروائي اللبناني إلياس خوري بهذا الحوار لجريدة هآرتس الإسرائيلية‮. ‬الحوار كان‮ ‬يتضمن في جزء منه أيضاً‮ ‬لقاء مع مترجم الرواية‮” ‬يهودا شنهاف‮”‬،‮ ‬عن الأدب العربي في إسرائيل والعلاقة باللغة العربية،‮ ‬وكان شنهاف‮ ‬والقادم من أصل عراقي ويعرف نفسه بـ”اليهودي العربي‮”‬،‮ ‬قد وصف خوري بأنه ماركيز العرب في إطار احتفالية أقامتها جامعة نيويورك بنفس المناسبة،‮ ‬كما أشارت صحيفة القدس العربي‮. ‬الحوار في هاآرتس أجرته مايا سيلَع،‮ ‬ويحوي كلاما هاما حول رؤية صاحب‮ “‬باب الشمس‮” ‬لمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ورؤيته للتطبيع بالإضافة إلي كلام حول الأدب الإسرائيلي وصورة الفلسطيني فيه‮. ‬فيما‮ ‬يلي ترجمة كاملة لنص الحوار‮:‬

يعرف خوري الإسرائيليين أفضل كثيراً‮ ‬مما‮ ‬يعرفونه‮. ‬يعرف الأدب والسياسة الإسرائيليين،‮ ‬بينما لا‮ ‬ينظر أغلب الإسرائيليون إلي مدينته بيروت وإلي المنطقة كلها إلا من خلال مهداف البندقية‮. ‬صحيح أنه الآن،‮ ‬بينما نتحدث في التليفون،‮ ‬يتواجد في الولايات المتحدة،‮ ‬حيث‮ ‬يدرّس في فصل دراسي لمدة سنة الأدب العربي في جامعة نيويورك،‮ ‬ولكنه في سائر الوقت‮ ‬يكون في مدينته،‮ ‬بيروت‮.‬
تُرجم كتابه‮ “‬الوجوه البيضاء‮” ‬الآن علي يد يهودا شنهاف شهربي في دار نشر‮ “‬هاكيبوس هامؤوحاد‮ (‬في سلسلة النعجة السوداء،‮ ‬والتي يحررها حانان حافير‮). ‬تُرجم الكتاب إلي الإنجليزية تحت عنوان‮ “‬أقنعة بيضاء‮”‬،‮ ‬وأسأل خوري ما اسم الكتاب بالعربية وهل قصد الاستعارة من فرانز فانون وكتابه المؤسس‮ “‬جلد أسود وأقنعة بيضاء‮”. ‬يبدو أن الاسم الأصلي بالعربي هو‮ “‬الوجوه البيضاء‮” ‬وأن خوري لم يقصد الإشارة لفانون،‮ ‬وإن كان يقول أن ثمة دائماً‮ ‬حواراً‮ ‬مع فانون‮ : “‬هو شخصية لعبت دوراً‮ ‬مركزياً‮ ‬في وعينا المعادي للاستعمار‮. ‬خطابه حيوي لتحرير الإنسان‮. ‬إذن ثمة دائماً‮ ‬حوار معه ومع مفهوم التحرر وكيفية احتياج الناس لتحرير نفسهم،‮ ‬ولكن بالأساس فهذا كتاب عن تجربة خاصة وهي الحرب الأهلية اللبنانية والخبرة الخاصة والتركيبة الخاصة للعناصر المختلفة في هذه الحرب‮. ‬العنصر الفلسطيني أساسي بالطبع،‮ ‬ولكن كانت هناك عناصر ومناظير أخري مختلفة‮. ‬كتبت عن عبث هذه الخبرة الإنسانية‮”.‬
ولد خوري في بيروت في عام‮ ‬1948‮ ‬المصيري لعائلة مسيحية أرثوذكسية من الطبقة الوسطي‮. ‬في‮ ‬1967‮ ‬سافر إلي الأردن وانضم لحركة فتح‮. ‬غادر الأردن بعد أحداث‮ “‬سبتمبر الأسود‮” ‬في‮ ‬1970‭.‬‮ ‬كان نشطاً‮ ‬في وقت الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في‮ ‬1975،‮ ‬بل وأصيب وفقد بصره تقريباً‮. ‬عندما أسأله ما الذي حدث هناك بالضبط،‮ ‬يجيبني بأن هذا‮ ‬غير مهم‮: “‬مفهوم أنها كانت تجربة قاسية ولكن ثمة تجارب قاسية طول الوقت وهناك ثمن‮”.‬
يشار إلي اسم خوري دائماً‮ ‬بوصفه أحد المرشحين لجائزة نوبل للأدب،‮ ‬ولكنه يتجاهل الموضوع‮: “‬هذه شائعات ولا يمكن التعامل معها بجدية‮. ‬هذا ليس موضوعاً‮ ‬مهماً‮. ‬يمكن لهذا أن يكون مهماً‮ ‬بالنسبة للبنانيين وللفلسطينيين ربما،‮ ‬ولكنه لن يغير شيئاً‮ ‬ولا أعتقد أنك عندما تكتب تفكر في أمور كهذه‮. ‬هذا شيء يمكنه الحدوث أو عدم الحدوث‮. ‬هذا ليس مهماً‮”.‬
جزء من الصراع
نُشر‮ “‬وجوه بيضاء‮” ‬لأول مرة في بيروت عام‮ ‬1981‮ ‬كتبه خوري‮ ‬علي مدار الحرب بينما لم يكن قد أصبح محارباً‮ ‬بعد‮. “‬كنت أعمل وقتها كمحرر ثقافي في جريدة‮ “‬السفير‮” ‬اليومية‮”‬،‮ ‬يحكي‮. “‬قبلها حررت‮ “‬شؤون فلسطين‮”. ‬في نفس الوقت كنت أديباً‮ ‬ومثقفاً‮. ‬أعتقد أن علي المثقفين أن يأخذوا دوراً،‮ ‬لا يمكن للمرء أن يكون مثقفاً‮ ‬بدون اتخاذ موقف عندما يكون هناك صراع علي التحرر القومي،‮ ‬وأنا أشعر طول الوقت أنني جزء من هذا الصراع‮”.‬
يحاول خوري في كتابه تعقب مصير خليل أحمد جابر،‮ ‬والذي قتل وأُلقت جثته علي كومة قمامة في حي اليونسكو ببيروت‮. ‬الرواية مكتوبة علي هيئة شهادات يجمعها الكاتب وتتصل بالقتل،‮ ‬وتعرض بعض وجهات النظر،‮ ‬وتحكي بشكل عابر قصة الحرب الأهلية اللبنانية‮. “‬في الحقيقة هناك شهادات عن العنف‮”‬،‮ ‬يقول شنهاف شهربي‮. “‬طول الوقت يتم الحديث عن العنف ولكن الشهادات‮ ‬غير مكتملة،‮ ‬ناقصة،‮ ‬ليست هناك قصة مكتملة‮. ‬كأنها قصة تحكي عما بعد الصدمة،‮ ‬قصة عن الناجين،‮ ‬الناجين من الاغتصاب أو النكبة أو الهولوكست‮. ‬بشكل عام فالنظرية السياسية الحديثة تُخفي العنف‮. ‬العنف دائماً‮ ‬يحدث تحت الأرض،‮ ‬هو ليس مكتوباً‮ ‬بشكل شرعي ويستحضر خوري هذا بشكل شديد الحدة‮”. ‬يعرض خوري عنفاً‮ ‬معروضاً‮ ‬علي الجسد،‮ ‬كأنه في تقرير‮ “‬طبي‮: “‬هو في الحقيقة يشير إلي استحالة تقديم الشهادة‮”. ‬
يهمني لدي خوري كيف هي الحياة في بيروت‮. ‬يقول إن الحديث هو عن مدينة قاسية وصلبة كثيراً،‮ ‬تقع في دولة صغيرة علي مفترق طرق مهم في المنطقة‮: “‬هي دولة هشة ذات بنية سياسية شديدة الخصوصية،‮ ‬وإن كنت‮ ‬غير متأكد أن هذه بنية أصلاً،‮ ‬ولكن مع هذا،‮ ‬فهذا هو الأمر‮. ‬بيروت مرآة للمنطقة،‮ ‬تعكس المنطقة‮. ‬الحياة اليوم في بيروت هي مثل الحياة علي حافة البركان‮. ‬تشعر أن هذا البركان قد ينشط في أية لحظة،‮ ‬وبالطبع فنحن في قلب المأساة السورية من جانب وفي قلب قلب المأساة الفلسطينية من جانب آخر‮. ‬نحن محاطون بالمأساة كما توجد لدينا مآسينا‮. ‬هذا بلد تم تدميره عدة مرات،‮ ‬هذا بلد كاد يُدمر بالكامل في الاجتياح الإسرائيلي عام‮ ‬1982‮ ‬علي يد القصف الجوي ومازال لدينا إحساس أن البقاء هو الموضوع الأساسي وأن البقاء يعطي معني للحياة نفسها‮”. ‬
يقول خوري أنه يجب العثور علي معني للحياة علي طول هذا الصراع علي البقاء ومحاولة التكيف مع وضع الحرب والقوة العنيفة‮: “‬أنا متشائم جداً‮. ‬ستستمر الحرب‮. ‬ليس من أفق للسلام‮. ‬ليس فقط السلام الإسرائيلي الفلسطيني الذي انهار كما نري،‮ ‬هذا السلام هو تقريباً‮ ‬غير ممكن،‮ ‬وإنما أيضاً‮ ‬السلام في المنطقة دخل في لحظة مأساوية‮. ‬هناك مسار الثورات في المنطقة،‮ ‬وأفترض أنه سيكون طويلاً‮. ‬أفترض أيضاً‮ ‬أن هذا يعطل القضية الفلسطينية لأن القضية الفلسطينية هي أصل كل هذا الوضع الرهيب،‮ ‬علي الأقل في الدول التي تحيط بفلسطين‮- ‬مثل لبنان،‮ ‬سوريا والأردن‮- ‬والتي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية ومرت بكابوس رهيب منذ‮ ‬1948‮”.‬
يقول خوري إن سكان هذه المنطقة يمرون بمسيرة طويلة من التغيرات والتدمير لم يمر بها أحد في العالم في القرن الحادي والعشرين‮: “‬هذا هو المكان الوحيد في العالم المتأزم لهذه الدرجة‮. ‬أعتقد أن هذا يعطينا دروساً‮ ‬مهمة عن أهمية الكرامة الإنسانية،‮ ‬السلام والعدل،‮ ‬وعلينا تعلم هذا الدرس‮. ‬هذا درس ثمين للغاية‮”. ‬
وفق كلامه،‮ ‬فالإسرائيليون‮ ‬غير جاهزين لتعلم هذا الدرس،‮ ‬الآن‮ “‬هذا حوار مخيف،‮ ‬إشكالي جداً‮”. ‬يدعي أنه علي مدار مسيرة السلام استسلم الفلسطينيون كثيراً،‮ ‬استسلموا ورُفضوا‮: “‬عندما تستسلم ويرفضونك،‮ ‬ماذا يعني هذا؟ يعني أن الآخر لا يريدك أن تتواجد أصلاً‮. ‬وعندما تدفع الناس لأن يشعروا بأن وجودهم مهدد سواء كأفراد أو ككيان جمعي،‮ ‬فهذا شيء شديد الخطورة قد يؤدي إلي كارثة‮”. ‬
الإسرائيليون،‮ ‬من وجهة نظره،‮ ‬ليسوا معنيين بالسلام أبداً‮ ‬وعملية السلام هي خيال‮: “‬المجتمع الإسرائيلي‮ ‬غير جاهز للخروج من الأراضي المحتلة‮. ‬إسرائيل تمر بتلك الظاهرة التي نراها في المنطقة كلها وهي التطرف الديني الذي بمقتضاه تصبح الأرضي المحتلة مهمة،‮ ‬قبر راحيل والقدس وكل هذا التطرف المسيحاني‮. ‬لأجل الحقيقة فنحن مازلنا في نفس اللحظة التي قالت فيها جولدا ميئير أنه لا يوجد شعب فلسطيني‮. ‬نحن مازلنا في هذه اللحظة‮”. ‬
وفق كلامه،‮ ‬فالنكبة لم تحدث عام‮ ‬1948،‮ ‬وإنما هي عملية مستمرة‮: “‬أن تتحدث عن ذكريات النكبة فهذا شيء زائف لأننا نعيش النكبة،‮ ‬لا وقت لدينا لتذكر أننا عشنا المأساة نفسها‮. ‬السياسيون يقولون شيئاً‮ ‬آخر ولكنني لست سياسياً‮. ‬من ناحية التاريخ،‮ ‬فلا أشعر أن بإمكاننا البدء في أي شيء جاد إلا إن توقفت النكبة،‮ ‬لأنها مستمرة حتي الآن‮. ‬يمكننا أن نري هذا في إسرائيل نفسها مع الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل وتسمونهم عرب إسرائيليون لأن الإسرائيليين لا يحبون اسمهم‮. ‬هم لم يأخذوا أرضهم فقط وإنما أخذوا اسمهم أيضاً‮”. ‬
هل يري حلولاً‮ ‬في الأفق؟ يعتقد أنه علي الإسرائيليين أن يشعروا بالهزيمة‮: “‬بدون الشعور بالهزيمة فأنت لست إنساناً‮. ‬تعالي نتحدث عنا كأفراد،‮ ‬لا عن الأمم والشعوب‮. ‬كفرد،‮ ‬إن لم تشعر بإمكانية الهزيمة فثمة مشكلة في إحساسك الإنساني لأن احتمال الهزيمة قائم لدينا جميعاً‮ ‬كأفراد في مرحلة معينة‮. ‬المجتمع الإسرائيلي لديه إحساس أنه لن يُهزم وهذا نوع من جنون القوة‮. ‬إن لم يفهم الإسرائيليون أنه من الممكن هزيمتهم فلن يتغيروا،‮ ‬أنا آسف لقول هذا‮. ‬أنا جئت من مجتمع هُزم مئات المرات،‮ ‬وأعرف إذن عما أتحدث‮.”‬
وبعد كل هذا،‮ ‬لماذا وافقت علي أن يُترجَم كتابك للعبرية ولماذا وافقت علي الحديث معي؟
‮”‬أنا مع المقاطعة،‮ ‬ولكنني لا أقاطع الأفراد أو الصحف‮. ‬نحن نقاطع المؤسسات وهذا في نظري جيد للإسرائيليين،‮ ‬إذ ربما يجعلهم هذا واعين‮. ‬هذه ليست المرة الأولي التي أترجم فيها للعبرية‮. ‬روايتي،‮ “‬باب الشمس‮”‬،‮ ‬نشرت بالعبرية عام‮ ‬2002‮ ‬عن دار نشر أندلس التي تمتلكها ياعيل ليرر وبعدها نشروا روايتي‮ “‬يالو‮”. ‬لا حدود للأدب،‮ ‬أنا أيضاً‮ ‬أقرأ وأدرس الأدب الإسرائيلي وليس لهذا علاقة بكوني مع مقاطعة إسرائيل‮”.‬
تعتقد أن بمقدور الأدب أن يغيّر؟
في الحقيقة لا أعرف‮. ‬بشكل شخصي أعتقد أن كتباً‮ ‬كثيرة‮ ‬غيرت حياتي‮. ‬دوستويفسكي‮ ‬غير حياتي،‮ “‬الغريب‮” ‬لألبير كامو والذي قرأته في سن الرابعة عشر‮ ‬غير حياتي تماماً‮. ‬شعر محمود درويش‮ ‬غير حياتي‮. ‬بهذا المفهوم،‮ ‬فالأدب لديه تأثير علي الأشخاص‮. ‬الأدب يغير الأدب أيضاً‮. ‬نحن لا نكتب الأدب فحسب،‮ ‬وإنما نعيد كتابته أيضاً‮. ‬بداخل أي أديب هناك كل أدباء العالم،‮ ‬ونحن نعيد كتابة أدب العالم كله‮. ‬ولكن بالمفهوم السياسي،‮ ‬أنا لا أعرف‮. ‬لا أعتقد أنه يمكنك قراءة كتاب والخروج للقيام بثورة ولكنك تقرأ كتاباً‮ ‬ثم تدخل في المجهول الخاص بك ثم تشعر بقرابة مع الشخصيات،‮ ‬وحينئذ فأنت تكتبه من جديد في الحقيقة‮. ‬القارئ يعيد كتابة الكتاب في خياله‮”. ‬
الأدب كما يقول ينشغل بالأسئلة الكبري للحياة،‮ ‬الموت والحب‮. ‬هو أيضاً‮ ‬المكان الوحيد الذي يمكننا فيه إدارة حوار مع الموتي‮: “‬خبرة ذات دلالة كبيرة تحدث عندما نقرأ كتاباً،‮ ‬لا نفكر إن كان الكاتب حياً‮ ‬أم ميتاً‮. ‬هو يتحدث إلينا ونحن نتحدث إليه‮. ‬أعتقد أن هذا النوع من الحوار حيوي لفهمنا للحياة ولمعناها‮. ‬لأن الحياة بلا معني،‮ ‬تعرفين هذا،‮ ‬صحيح؟ ما نحاول فعله في الأدب هو إعطاء معني لشيء بلا معني‮. ‬أعتقد أنها مغامرة رائعة‮”. ‬
علي خلاف إسرائيليين كثيرين لا يعرفون الأدب العربي مطلقاً،‮ ‬يعرف خوري جيداً‮ ‬الكثير من الأعمال الأدبية العبرية التي تُرجمت إلي الإنجليزية‮. ‬يحكي أن رواية‮ “‬خربة خزعة‮” ‬لـس‮. ‬يزهار تركت عليه أثراً‮ ‬كبيراً‮: “‬عندما قرأتها تولد لدي فهم مذهل‮. ‬ما حاول يزهار فعله هو أمر شديد العمق‮. ‬من أجل الحقيقة فهذه هي الرواية الوحيدة التي تتحدث عن هذا وكتبها إسرائيلي،‮ ‬لم يكتب الإسرائيليون عن هذا أبداً‮. ‬يزهار‮ ‬صهيوني طبعاً،‮ ‬كان عضواً‮ ‬في الكنيست،‮ ‬ومحارباً‮ ‬في كتائب البلماح ولكنه ككاتب فقد‮ ‬غرق عميقاً‮ ‬في المأساة لكي يخبرنا أن الإسرائيليين خلقوا يهودهم الخاصين‮. ‬يصف الفلسطينيين كما وُصف اليهود في أوروبا‮. ‬إذن فلليهود ثمة يهود يخصونهم‮. ‬هذا فهم مذهل‮. ‬
هذا العام،‮ ‬عندما قمت بتدريس هذا في الفصل،‮ ‬تحدثنا عن كيف يمكن للأدب أن يذهب بعيداً،‮ ‬ليس بمعني أن بإمكانه أن يكون مثيراً‮ ‬للجدل ولكن بالشكل الأعمق الذي يمكنه فيه إعطاءنا جوهر الأشياء،‮ ‬ويزهار أعطانا الجوهر‮. ‬ليس لأنه حكي عن الفظائع الإسرائيلية التي يعلم الجميع بها‮ (‬علي الأقل نحن،‮ ‬من خبرناها‮)‬،‮ ‬وإنما بمعني أن كل الفكرة كانت خلق يهود لليهود وقد تغلغل في هذا عميقاً‮ ‬في النص‮. ‬يرينا هذا كيف يمكن للأدب أن يأخذنا‮ ‬حتي بدون نية من الكاتب‮- ‬إلي المواضيع الجوهرية الأعمق بشكل لا يمكن للتحليل السياسي،‮ ‬الاجتماعي أو الأنثروبوولجي،‮ ‬أن يفعله‮. ‬لهذا فالأدب مهم‮. ‬بهذا المعني فهو يغير‮”. ‬
يشير إلي فارق كبير بين الأدب الإسرائيلي والعربي فيما يخص التمثيل المتبادل‮: “‬في الأدب الفلسطيني ثمة شيء لم يلتفت إليه أحد‮. ‬نشر‮ ‬غسان كنفاني في‮ ‬1969‮ ‬رواية بعنوان‮ “‬العائد إلي حيفا‮”. ‬في هذا الوقت كان ينتمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي قادها جورج حبش‮. ‬وقُتل بسبب هذا علي يد الإسرائيليين،‮ ‬ومن الواضح الآن أن الإسرائيليون قد اعترفوا بهذا‮”. ‬يلاحظ ويشير إلي أنه في كتاب كنفاني هناك شخصية امرأة يهودية،‮ ‬ناجية من الهولوكست واسمها مريم،‮ ‬ويكتب كنفاني عنها بشكل عميق‮. “‬لدي محمود درويش هناك شخصية يهودية اسمها ريتا وهي إنسان‮. ‬هذا يرينا كيف حاول الفلسطينيون برغم كونهم ضحايا الانفتاح علي الآخر وفهمه‮. ‬لا تقبله وإنما فهمه‮. ‬وهم لن يتقبلوهم أبداً،‮ ‬سيصلون لحلول وسط ولكن لن يتقبلونهم‮”. ‬
‮”‬ولكنك لو أخذتِ‮ ‬الأدب الإسرائيلي الحديث بدءا من عاموس عوز ومروراً‮ ‬بـأ‮. ‬ب‮. ‬يهوشواع وحتي آلون حيلو في رواية‮ “‬بيت دجاني‮”‬،‮ ‬كيف يُعرض الفلسطيني هناك؟ إما أنه لا يتكلم لأنه أصم وأبكم ولا يظهر إلا في أحلام حنا في‮ “‬حنا وميخائيل‮”‬،‮ ‬أو يكون الفلسطينيون جزءاً‮ ‬من الجغرافيا مثلما لدي يزهار وحتي لدي عوز في قصته القصيرة‮ “‬بدو وأبناء آوي‮”‬،‮ ‬لدي يهوشواع فالفلسطيني هو أبكم أو طفل مثل نعيم في‮ “‬العاشق‮”. ‬حتي لدي دافيد جروسمان،‮ ‬وهو،‮ ‬لنقل الأكثر تفتحاً،‮ ‬في‮ “‬ابتسامة الجدي‮”‬،‮ ‬الفلسطيني هو شخصية مجنونة‮. ‬ليس هناك فلسطيني من أجل الحقيقة‮. ‬هذا سؤال ضخم،‮ ‬لماذا لا يوجد فلسطينيون في الأدب الإسرائيلي وإن وُجدوا فهم هامشيون جداً،‮ ‬هم ظل‮. ‬بينما في أدب الضحايا فقط اذهبي لتقرأي كنفاني وكيف يكتب عن مريم،‮ ‬حتي تفهمي أن كونك مهزوماً‮ ‬يجعلك أكثر إنسانية‮”. ‬
لا يحبون الأدب العربي
مترجم الكتاب،‮ ‬شنهاف شهربي،‮ ‬وهو أستاذ في قسم السوسيولوجيا‮ ‬بجامعة تل أبيب،‮ ‬يعي أن الإسرائيليين لا يحبون الأدب العربي‮. ‬يحكي أنه اشتري الكتاب في لندن ولم يتمكن من مواصلة القراءة بدون أن يترجمه‮. ‬ترجم بدون أن يعرف إن كانت هناك دار نشر سترغب في نشر الكتاب وبدون أن يعرف إن كان خوري أصلاً‮ ‬سيوافق علي ترجمته للعبرية علي ضوء مقاطعة إسرائيل‮. ‬يحكي أنه ترجم من قبل كتاباً‮ ‬آخر لخوري،‮ “‬رحلة‮ ‬غاندي الصغير‮ “‬،‮ ‬وسيري النور العام القادم عن دار نشر حرجول‮.‬
‮”‬منذ دار نشر أندلس التي امتلكتها ياعيل ليرر،‮ ‬والتي قامت بعملية كبيرة وهامة وهي ترجمة الأدب العربي،‮ ‬لم يعد المترجمون يترجمون الأدباء العرب لأن لا أحد في البلد يهتم بالأدب العربي‮”‬،‮ ‬يقول شنهاف شهربي‮. “‬تعرفين كم يهودي إسرائيلي يحسن العربية؟ اثنان بالمائة‮. ‬هذه فضيحة‮. ‬وكم فلسطيني في البلد يتحدث العبرية؟‮ ‬92‮ ‬في المائة‮. ‬ماذا يعني أن تأتي لمكان ولا تتعلم اللغة؟ هذا يعني أنك سائح أو ساكن عَرَضي؟ هذا‮ ‬غير منطقي‮. ‬هذا يرينا العلاقة الاستعمارية حتي بين اللغات‮.‬
شنهاف شهربي،‮ ‬والذي كان من مؤسسي حركة القوس الديمقراطي الشرقي،‮ ‬وبدأ في السنوات الأخيرة فحسب الترجمة عن العربية،‮ ‬يقول أن الترجمة بالنسبة له جزء من تطبيقات فكرة الهوية اليهودية‮ ‬العربية‮. ‬يحكي عن علاقته الشائكة بالعربية‮: “‬في صباي كنت أكره هذه اللغة فعلاً‮ ‬التي كانوا يتحدثون بها في البيت‮”. ‬فقط منذ عشر سنوات عاد للعربية بشكل جاد،‮ ‬و”كنت أحتاج لأن أتعلم من البداية،‮ ‬بما فيه القراءة والكتابة‮”. ‬الآن توجد لديه ستة ترجمات في الطريق‮: “‬أحب العبرية منذ أن بدأت أتعلم‮ ‬العربية‮. ‬هما قريبتان لهذه الدرجة من بعضهما،‮ ‬كأنهما توأم‮”. ‬

السابق
الحكومة الإيرانية تنتقد أصوليين لـ’ابتهاجهم’ بفشل مفاوضات فيينا
التالي
سوريا بين انتصارات هشّة وتجربة ليــــبيا