الإستخبارات الأميركية تنصُب فخاً لبوتين

إن انكفاء الولايات المتحدة عن التدخلات العسكرية خارج أراضيها، لا يعني أنها انكفأت عن حروبها السياسية والإستخباراتية. كما أن توسُّع روسيا في تدخّلاتها القويّة في القضايا الإقليمية الساخنة لا يعني أنها أعادت زمن الحرب الباردة والتوازن الإستراتيجي مع الغرب.

ها هي واشنطن تحشر موسكو، ديبلوماسياً وإستخبارياً في حديقتها الخلفية أوكرانيا. وها هو الرئيس الأميركي باراك أوباما يتصل بزعماء العالم لتأليبهم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتهديده بأقسى العقوبات إذا تجاوز الخط الأحمر الغربي، ودفع بقوّاته الى أوكرانيا.

ويُدرك بوتين أن هناك فخاً نُصِبَ له لتقويض نفوذ روسيا، من خلال محاصرتها وتهديد مصالحها الجيوستراتيجية والعسكرية والإقتصادية، من بوابة جارتها أوكرانيا، التي تشكّل عمقاً استراتيجياً وجزءاً لا يتجزأ من روسيا التاريخية، منذ أن اجتاحت جيوش الأمبراطورة كاترين الثانية شبه جزيرة القرم عام 1783 وأعاد ستالين احتلالها عام 1944، وأي انفصال لها يُنهي الأمبراطورية الروسية. لذلك لا يمكن لموسكو إلاّ أن ترسم هي أيضاً خطاً أحمر حول مصالحها، وأن تتدخل بكل إمكاناتها، حتى العسكرية إذا لزم الأمر، كما فعلت في جورجيا عام 2008.

وتُشكل القرم الممرّ الحيوي لروسيا نحو أوكرانيا، التي استعادتها عام 1956 من الإتحاد السوفياتي، وهي مقر أسطول البحر الأسود الروسي، وقاعدة إنطلاق متقدمة الى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط. ولا ينسى الروس أن الغرب حاصر روسيا عام 1854 من ميناء سيباستوبول في القرم، الذي يضم اليوم 300 سفينة و26 ألف جندي روسي، وتدفع موسكو 7 مليارات دولار سنوياً، وتحسم 30 في المئة من فاتورة الغاز المصدّر منها الى أوكرانيا مقابل تأجيرها الميناء.

كما أن الرئيس فلاديمير بوتين عرض 15 مليار دولار مساعدات لأوكرانيا لتخطّي أزمتها الإقتصادية، مقابل عدم إنضمامها الى الإتحاد الأوروبي.
المعركة في أوكرانيا تدور في الشكل حول انضمامها الى الإتحاد الأوروبي، أو بقائها في الفلك الروسي. أما في العمق، فهي معركة على النفوذ العالمي. فإذا انضمت أوكرانيا الى الإتحاد ثم الى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تفقد روسيا نفوذها، لأنها تصبح شبه محاصرة جغرافياً ومهدّدة عسكرياً ومكبلة إقتصادياً.

لا تستطيع موسكو أن تكون دولة قوية ذات تأثير دولي بلا أوكرانيا، لكنها في الوقت ذاته لا تريد الإصطدام مع الغرب. إنها مسألة معقدة، لكن لا خيار أمام الروس إلّا الدفاع عن أمبراطوريتهم مهما كان الثمن.

وأياً تكن النتيجة، فإن على موسكو أن تدفع ثمن أي مواجهة أو تسوية غربية معها هناك. ولا بد أن ينعكس ذلك على ملفات الشرق الأوسط، من إيران الى سوريا ولبنان. وفي المقابل، من المتوقع أن يتشدّد حلفاؤها معتمدين الحذر ما قد يزيد الأمور المتشابكة تعقيداً في المرحلة القريبة المقبلة.
تغيّرت قواعد اللعبة بين الغرب والروس. التنافس الآن ليس على سوريا أو في آسيا، بل عند أسوار الكرملين.

السابق
تزوج مبكرا لتنقذ طفلك من الاضطرابات النفسية
التالي
أعلى ما في خيلكم… اركبوه!