حكومة العودة من سورية

الحكومة اللبنانية
قبل أعوام قليلة لم يكن أحد ليصدّق أنّ السيد نصر الله سيتمنّى يوما ما على الحكومة اللبنانية أن تولي "الحرب على الإرهاب" أولوية في بيانها وعملها. فبعدما كان السيّد نصر الله قد حذّر تنظيم "القاعدة" قبل عامين من فخّ ينصبه الغرب له في سورية، عاد في خطابه الأخير ليحذّر الدول الغربية والإقليمية من خطر تنامي دور هذا التنظيم في سورية على هذه الدول نفسها.

البيان الوزاري لن يكون عائقا أمام الحكومة. لن ترد فيه ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. كما لن يكون من مهمة هذه الحكومة معالجة ملف السلاح غير الشرعي، ولا بطبيعة الحال يمكن أن يكون على عاتقها فضلا عن قدرتها، منع تدفّق المقاتلين باتجاه سورية. ولا يقع ضمن برنامج عملها، القصير نظريا، معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ولا إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
في خطابه الاخير المتلفز ومن دون جمهور، حدّد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أولوية “مواجهة الارهاب التكفيري”، وتمنّى على رئيس الجمهورية أن يولي عنوان مواجهة الارهاب أهميّة في البيان الوزاري المزمع.
الخطر الأمني المباشر الذي فرض على السيد حسن نصرالله أن يخطب بلا جمهور، للمرّة الأولى، في المناسبة الحزبية الأهمّ، ذكرى “الشهداء القادة”، هو شاهد على الاولوية الامنية التي فرضت نفسها على طبيعة الصلة بين حزب الله وجمهوره. لذا يتقدّم الأمن أولوياته في تحديد برنامج عمل الحكومة وبيانها.
“مواجهة الإرهاب” شعار جديد يتقدّم العناوين كلّها. هو ملفّ أمني يتطلّب من الجميع أن ينخرطوا في عملية التصدّي له. هي الحرب التي وعد السيّد نصر الله جمهوره واللبنانيين بالانتصار فيها. ولو احتاجت إلى مدد زمنية ليست قصيرة. وهو، إذ طالب الآخرين بقيامهم بالواجب في هذه الحرب، أكّد بمعزل عنهم أنّ “الواجب الجهادي” لحزب الله في سورية لاعودة عنه في المدى المنظور.
إذاً سيكون “الإرهاب” هو كلمة السرّ الجديدة. أو هو السّحر الذي سيدفع بعربة البيان الوزاري إلى خطّ النهاية، كما دفع بعملية تشكيل الحكومة بعد عشرة أشهر من المراوحة والعجز والتعطيل.
قبل أعوام قليلة لم يكن أحد ليصدّق أنّ السيد نصر الله سيتمنّى يوما ما على الحكومة اللبنانية أن تولي “الحرب على الإرهاب” أولوية في بيانها وعملها. فبعدما كان السيّد نصر الله قد حذّر تنظيم “القاعدة” قبل عامين من فخّ ينصبه الغرب له في سورية، عاد في خطابه الأخير ليحذّر الدول الغربية والإقليمية من خطر تنامي دور هذا التنظيم في سورية على هذه الدول نفسها.
هذه الحكومة، كما وصفها السيد نصر الله، كلٌّ يراها بحسب الزاوية التي يقف فيها. لذا هي سيّئة وممتازة و”بين بين”. أي بحسب الوظيفة التي يضمرها لها الناظر إليها. فتيار المستقبل وجد فيها فرصة للعودة إلى السلطة، بعدما طالت الأزمة السورية، وظهر أنّ التغيير فيها لم يعد كما كان يتوقع ويترقّب. وباتت المشاركة في الحكومة بالنسبة له أكثر أهميّة من الجلوس على ضفة النهر. و”المستقبل” تلمّس تداعيات انكفائه عن السلطة أو إبعاده عنها، في خسارة بعض جمهوره، وانعكاس ذلك على قدرته الاستقطابية وعلى حماية خطّ الاعتدال الذي صار عرضة لتهديد جدي من بيئات متشددة ومتنامية في الشارع السنّي.
يبقى أنّ موعد الاستحقاق الرئاسي كان جرس الانذار الذي حفّز الأطراف الإقليمية والدولية لاتخاذ خطوات في اتجاه منع الفراغ. وهو ما أقلق البعض في الداخل من “حكومة حيادية” كان رئيس الجمهورية جادًّا في تشكيلها، وأقلق البعض الآخر من وراثة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان.
إزاء نظام المصالح الذي فرض على اطراف الحكومة الاندفاع نحو المشاركة، تبقى الأسئلة مطروحة حول كيفية المواءمة بين هذه المصالح، وبين زوايا النّظر المختلفة: فهل تكفي عودة “المستقبل” إلى الحكومة لتتجاوز قوى 14 آذار قتال حزب الله في سورية؟ أم هل يوفر هذا التلاقي على طاولة مجلس الوزراء فرصة لرسم خارطة طريق عودة اللبنانيين من الحرب السورية؟
وإذا كانت أولوية “مواجهة الارهاب التكفيري” يريدها حزب الله وجمهوره، فهل يتصوّر عاقل أن يبادر “تيار المستقبل” إلى خوض هذه المواجهة بواسطة الحكومة من دون مساعدة الحزب؟ أي من دون عودته إلى لبنان؟ وهل ستقوم هذه الحكومة بمنع المقاتلين السنّة من الانتقال الى سورية والعودة منها متى يشاؤون، فيما تسمح، هي وأجهزتها، بدخول المقاتلين الشيعة إلى سورية والخروج منها كيفما أرادوا؟
أيًّا كانت المبررات والذرائع التي تبرّر لطرف دون آخر القتال في سورية، فهي مبررات ولّادة للفتن الداخلية ولن توفّر أيّ فرصة جدية للانتصار على الارهاب التكفيري، بل ستوفر ذرائع له للانتشار والتوسع، وفرصا ليحصد الحماية والاحتضان، أيًّا كان شخص وزير الداخلية أو قائد الجيش.

السابق
عدوان: من الصعب ان تمنح ’القوات’ الثقة لهذه الحكومة
التالي
مصادر لـ الراي: 14 اذار لن تتراجع عن ايراد اعلان بعبدا بالبيان الوزاري