هل يحتمل جعجع أن يبقى خارج الحكومة؟

الإيجابيات تتراكم محليا على خط التأليف، وأضيفت اليها جرعة مماثلة استقدمها وائل ابو فاعور من السعودية، لكن الحكومة لم تنضج بعد.
مقولة «الايجابيات مع وقف التنفيذ»، تستفز شخصية وسطية لم تفهم بعد سرّ هذا التأخير، كما تقول، في وضع القطار الحكومي على السكة. وما تخشاه هو ان تكون كل الاحتمالات ما زالت واردة حتى الآن.
ليس هناك ما يستدعي التأخير او المماطلة، على ما تقول الشخصية الوسطية، ذلك انّ الموانع التي افترض البعض وجودها قد زالت من طريق التأليف. وتستند بذلك الى الخلاصات التالية:
اولا، لقد ذهب الثنائي الشيعي في التعاون وتسهيل التأليف الى ابعد مما كان متوقعا منهما. والاسئلة التي طرحها تيار «المستقبل» تلقى عليها اجابات ايجابية، وصولا الى التفاهم على ترحيل ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» الى ما بعد التأليف وترك اللغة العربية تلعب دورها في ايجاد المخارج. وهذه الايجابية، كما تقول الشخصية الوسطية، مكّنت الثنائي الشيعي مرتين من منع تحقيق «حلم» الحكومة الحيادية: مرة في المشاركة في تسمية تمام سلام لتشكيل الحكومة، ومرة ثانية في القبول بصيغة الـ«8-8-8».
ثانيا، لم يبدُ ميشال عون بالصلابة ذاتها التي كان عليها في تشكيل الحكومات السابقة، ولم تصدر عنه اية موانع او شروط تعجيزية.
ثالثا، لقد شكل وليد جنبلاط مع نبيه بري قوة منع ودفع في اتجاه الحؤول دون تجرّع البلد كأس الحكومة الحيادية، وسخّر الزعيم الاشتراكي نفسه جسرا للتواصل بين المتناقضات، وتصرّف مع الاستحقاق الحكومي كمحطة مصيرية جعلته كولاّدة افكار سعيا لولادة حكومية، متجاوزا بذلك كل السهام التي استهدفت دوره والاتهامات التي اطلقها البعض حول ما أسموه «تجاوز صلاحية الرئيس المكلف في التأليف».
رابعا، الحكومة المطروحة اقرب ما تكون الى الطرح الكتائبي، اذ منذ اليوم الاول للبحث في تشكيل الحكومة قبل نحو عشرة اشهر، طرح حزب «الكتائب» الذهاب الى حكومة جامعة لا تستثني احدا، وتعتمد اعلان بعبدا وتعيد النظر بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وطرح على حلفائه في «14 آذار» آنذاك اتخاذ الموقف الذي يستطيعون ان يسوقوه وان يطبقوه، والذي لا يشكل لهم احراجا في مرحلة لاحقة اذا ما اضطروا الى التكيف مع معطيات ووقائع جديدة. لكن الحلفاء خرقوا السقف التقليدي ووضعوا شروطا ثبت بالملموس ان لا هم ولا رعاتهم الخارجيون كانوا قادرين على تنفيذها. وحزب الكتائب الآن على موقفه، وهو وغيره من القوى السياسية ينتظرون كيف سينزل عن شجرة الشروط من صعد عليها عاليا.
خامسا، في اقل من اسبوع انقلب موقف تيار «المستقبل» 180 درجة، وها هو الرئيس فؤاد السنيورة، بعد بيان «المقاومة المدنية»، يسلـِّم بالشراكة مع «حزب الله» وبالتعايش معه تحت سقف حكومي واحد في ظل سلاحه وفي ظل انخراطه في الازمة السورية، وها هو هاتف سعد الحريري يلاحق سمير جعجع لاقناعه بضرورة الحكومة الجامعة.
لا تستطيع الشخصية الوسطية ان تصدق ان قرار «المستقبل» بالذهاب الى حكومة ثلاث ثمانيات جامعة، قد اوجد شرخا ضمن «التيار الازرق»، أو بعض الإرباك جراء انكسار العناوين التي رفعها ضد «حزب الله». لكن الرهان على سرعة استدراك هذا الارباك وإزالة الشرخ. فما اشبه اليوم بالنسبة الى «المستقبل» وجمهوره، بذلك اليوم الذي فاجأ فيه سعد الحريري جمهوره وحلفاءه بزيارة الرئيس السوري بشار الاسد. صحيح ان جمهور المستقبل فوجئ بالزيارة آنذاك، لكنه صفق لها في النهاية. وبصرف النظر عما اذا كان هذا الجمهور قد فوجئ بحكومة الشراكة مع «حزب الله»، لكنّه سيصفق لها في النهاية، لأن فيها مفتاح عودة المستقبل الى السلطة.
سادسا، لقد سبق لـ«القوات اللبنانية» ان تحفظت عن انفتاح الحريري على سوريا في لحظة معينة، وليس مستبعدا ان يكون تحفظها اليوم عن الحكومة في سياق محاولة لتحقيق مكاسب حكومية، خاصة انها مع عدائها للاسد، عادت وتناغمت مع لقاء الحريري به وانضمت الى صف المرحبين بزياراته دمشق.
ما تريده «القوات»، كما تقول الشخصية الوسطية، حكومة صافية لـ«14 آذار»، لكنها تدرك ان تحقيقها مستحيل. وانطلاقا من حرصها على ضرورة حضورها في اية حكومة، تعتبر ان انطلاق قطار التأليف بحكومة من دونها معناه انها ستكون خارج المعادلات القائمة.
ولعل الحد من التدهور الامني هو اولى مهمات الحكومة الجديدة وكذلك الحد من القطيعة بين «8 و14 آذار» وتحضير الاجواء لاتمام الاستحقاق الرئاسي. وأهم ميزات هذه الحكومة انها نتاج التقاء مصالح ايرانية ـ سعودية ـ اميركية ـ روسية، تتوجب ملاقاته بتسريع التأليف، خاصة ان التقاء المصالح هذا، ما زال هشا وآيلا للسقوط في اي لحظة وقد يتسبب بعواقب لا تحمد عقباها.

السابق
هل تنازل حزب الله حكومياً ولماذا؟
التالي
جنبلاط: مَن ترانا لنتجاهل التحوّلات الإيرانية؟