الـ«سين سين» داخل «14 آذار»: تحالف لا تهزّه العواصف

من الناحية المنطقية لا يمكن توقع تراجع “حزب الله” دفعة واحدة خطوات الى الوراء، لأنّ التنازل عن مكتسب “الثلث المعطل” الذي كان ثمنه بداية الانحدار في 7 أيار، نحو مواجهة مذهبية ووطنية، بدأت في بيروت والجبل وانتهَت في القُصير، لم يكن سهلاً ولا يمكن تفسيره الّا من خلال المأزق الذي يعيشه الحزب، والذي حدا به بعد أقل من شهر على الخطاب الانتصاري لأمينه العام السيد حسن نصرالله، والتعهد بلغة التهديد على المنبر، بتأليف حكومة تتجاوز مكاسبها صيغة الـ9+9+6، الى العودة الى صيغة 8+8+8، والى تكليف النائب وليد جنبلاط لعب دور ساعي البريد، والى تحريك مبادرة مع نادر الحريري في اتجاه الرئيس سعد الحريري، لتأليف حكومة الاختباء من الملفات المقبلة.

ليس مفاجئاً أن ترتبك قوى “14 آذار” بعد تراجع “حزب الله”، فالزمن لا يتسع لمظاهر الابتهاج بانكسار “الثلث المعطل”، والجهوزية على مستوى طريقة إدارة هذا الائتلاف، لا تسمح بتوقع انتاج قرار سريع أسوة بما يفعل الحزب وحلفاؤه. الارجح أنّ هذه القوى لا تريد للحكومة أن تتألف قبل بداية عمل المحكمة الدولية، على عكس “حزب الله” الذي يريد الصورة الجامعة قبل أن تُفتتح المحاكمة. في “14 آذار” خلاف حول تأليف الحكومة، وخلاف حول الاداء.

الاجتماع الأخير شهد نقاشاً بين مؤيدين ومعارضين. “القوات اللبنانية” رأس حربة في معارضة الاشتراك في الحكومة جنباً الى جنب مع “حزب الله”، منسق قوى “14 آذار” الدكتور فارس سعيد، والنائب السابق سمير فرنجية كانا في الاجتماع أقرب الى وجهة نظر “القوات اللبنانية”، قالا ما مفاده إنّ التهويل لا يجب أن يدفع “14 آذار” الى المشاركة في الحكومة بأيّ ثمن، وبأنّ الضمانات المتعلقة بانسحاب الحزب من سوريا و”إعلان بعبدا” يجب ان تكون ضمانات حقيقية وليس مجرد تطمينات شكلية، هذا إذا وصل التفاوض الى حدود البحث في الضمانات.

قال سعيد في تصريح تلفزيوني ما سبق له أن قاله في الاجتماع: “ليتعهد “حزب الله” بجدول زمني للانسحاب من سوريا”. هذا أول اقتراح عملي تقدمه قوى “14 آذار”، يمكن أن يدخل في خانة الضمانات التي تبرّر المشاركة.

بين الحريري والدكتور سمير جعجع كان اتصال هاتفي مسهب. حاول الحريري إقناع جعجع بالمشاركة في الحكومة، لكنّ الأخير رفض. وجهة نظره تقول إنّ الظرف يسمح الآن بتأليف حكومة سيادية للمرة الاولى منذ خروج الجيش السوري من لبنان، وإنّ الرئيسَين سليمان وسلام قادران على ذلك. لا يثق جعجع بـ”حزب الله” وتعهداته، يعتقد أنّ هذه مناورة ونوع من “التَمَسكُن للتمكن”، وما حصل على طاولة الحوار والانقلاب على التعهدات، وما حصل ايضاً في الدوحة خير دليل على أنّ “حزب الله” المأزوم، يتراجع تكتيكياً لكي يعدّ لهجوم جديد.

في حسابات الحريري كثير من الاعتبارات، أولها عدم السماح لفريق “8 آذار” بتحميل قوى “14 آذار” المسؤولية عن تعطيل تأليف الحكومة، وفي حساباته أيضاً استمرار عمليات الاغتيال التي تلاحق فريقه السياسي في بيروت، ولا أحد يتوهم أنّ تأليف حكومة كهذه سيوقف الاغتيال، لكن لا أحد في المقابل قادر على إعطاء جواب بأنّ “حزب الله” لا يكرر للمرة الثانية مناورةَ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي أجهضت دينامية “14 آذار” وأدخلتها في استنزاف مستمر انتهى بـ 7 أيار و”اتفاق الدوحة”، وفيما بعد الانقلاب عليه، فهل يعدّ الحزب هذا السيناريو نفسه، وما هي مسؤولية قوى 14 في عدم الوقوع في الفخ سواء شاركت في الحكومة أم لا؟

«التواصل بين الحريري وجعجع مستمر، ومعادلة «سين – سين» (سعد وسمير) قائمة ولن يُفرِّقها إلّا الموت (ما قاله الحريري في مؤتمر البريستول)»، كما تقول اوساط الطرفين. عواصف كثيرة مرَّت داخل «14 آذار»، منها عاصفة زيارة الحريري الى دمشق، وعاصفة المشروع الأرثوذكسي، لكن ما من شيء اهتزّ، واليوم تؤكد الأوساط أنّ هذا التحالف سيخرج أقوى من امتحان تأليف الحكومة.

السابق
في يوم.. في شهر.. في سنة..
التالي
عابد المصري خليفة الماجد؟