انه الشيطان الطائفي يا اغبياء

منذ تسارعت المفاوضات بين ايران والغرب، في اعقاب انتخاب حسن روحاني رئيسا، ونحن نسمع الاعتراض المتعاظم من جانب السعودية ودول الخليج لهذه المسيرة. رغم أن السعوديين قللوا من تصريحاتهم الرسمية في هذا الشأن، واضح للجميع بانهم غير شركاء في التفاؤل. فقد اصبحت دول الخليج واسرائيل شركاء استراتيجيين، كما يبدو، في محاولة اقناع الغرب برفض ‘هجمة الابتسامات’ الايرانية.
ومع ذلك، يدل التاريخ على ان الامر ليس مفهوما من تلقاء نفسه. ففي التسعينيات شهدت العلاقات بين ايران والسعودية تحسنا تدريجيا وصل ذروته في 1997 مع الانتخاب المفاجيء لمحمد خاتمي رئيسا لايران. ومثلما هو اليوم، فان الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة ترددت في كيفية استقبال التغيير، ولكن في حينه كان السعوديون هم بالاساس من شجعوا على تحسين العلاقات مع ايران. سلسلة من الزيارات المتبادلة، بلغت ذروتها بزيارة ولي العهد السعودي عبدالله (الملك اليوم) وخاتمي، وكذا استئناف الرحلات الجوية بين الدولتين لاول مرة منذ الثورة، شكلت بالنسبة للغرب الرغبة في التغيير.
هذا التحسن في العلاقات جاء بالذات على خلفية مواجهة متصاعدة في تلك السنين بين الولايات المتحدة وايران، كجزء من سياسة الرئيس بيل كلينتون التي سميت ‘بالاحتواء المزدوج’، وكان هدفها صد ايران والعراق في نفس الوقت. السعوديون، مثل باقي دول الخليج، تخوفوا من العدوانية العلنية التي في النهج الامريكي واستغلوا التغيير في ايران للتحفظ عليه بشكل علني.
وبالتالي لماذا جاء رد فعل السعودية على وضعية مشابهة ليكون معاكسا تماما لما كان قبل 16 سنة؟ يكمن الجواب في التغيير الذي احدثه ‘الربيع العربي’ ولا سيما التوتر الداخلي الذي نشأ جراء ذلك. فقبل بضعة اشهر نشر طوبي متياسن كتابه ‘الخليج الطائفي’ والذي ادعى فيه بان السبب الاساس لغياب ‘ربيع عربي’ في الخليج هو نجاح حكام الدول، ولا سيما حكام السعودية، في تحويل الخطاب العام من مسائل الديمقراطية، التمثيل والمشاركة في سياقات اتخاذ القرار، الى المسألة الطائفية، اي علاقات الشيعة والسنة. وتضمنت الخطوة الذكية للثورة المضادة بقيادة السعوديين التشديد على العنصر الشيعي في اوساط الساعين الى التغيير وكذا الى الدور الخارجية الايراني.
واضافة الى ذلك، فان هذه الانظمة، من خلال شركات العلاقات العامة، تستخدم منظومة متفرعة من السفراء السابقين، الاكاديميين ورجال الاعمال ممن يحرصون على ابراز مركزية الشيعة وايران في الاحداث المختلفة في منطقة الخليج بشكل خاص وفي الشرق الاوسط بشكل عام. وكان لمطالب التغيير في الخليج شركاء سنة كثيرين، ولكن اجراءات السلطات دفعت الى الزاوية بالمطالب الليبرالية وبالنشطاء السنيين ممن خشوا من أن يتخذوا صورة من يؤيد الشيعة. بعد النجاح البارز لهذه الخطوة، ولا سيما في السنة الاخيرة كان التخوف الاساس لدول الخليج، ولا سيما السعودية، هو عودة النقاش الى مسائل التحول الديمقراطي، التمثيل وحقوق الانسان. ويزيد صعود روحاني جدا من امكانية أن يشطب الموضوع الايراني عن جدول الاعمال العالمي، وكذا مسالة نفوذ ايران في الشرق الاوسط. وبشكل مفعم بالمفارقة يمكن الافتراض بان ايران ايضا تفضل استمرار ‘النقاش الطائفي’ على النقاش الديمقراطي، وان كانت اعتبارات اقتصادية أغلب الظن هي التي تشكل وزنا مضادا اثقل.
يقلق السعوديين موقف الولايات المتحدة من المشاكل في سوريا وفي البحرين، ولكن يخيل أن التخوف الاساس هو من التغييرات الداخلية السريعة. وكانت العلاقات الخارجية للدولة دوما اعتبارا ثانويا لمسألة الاستقرار الداخلي وبقاء العائلة المالكة. وازداد التعرض السعودي للغرب جدا في العقد الاخير، وبدأ يعطي مؤشراته في التغييرات الاجتماعية التي يصعب على النظام استيعابها.
وتبين أن العدو الشيعي هو قاسم مشترك اساس على قاعدته يمكن توحيد المجتمع في السعودية وبقدر ما في الخليج باسره، ومن هنا مركزية ‘الخطاب الايراني’ والفكرة الطائفية حيوية لاستقرار الحكم في الخليج.

السابق
الحب الاول
التالي
نصرالله مطمئن