أوباما محاط بالوهم

في الجزء الأخير تقريبا من كتابه الجديد «أيام النار»، يسرد صديقي وزميلي السابق بيتر بيكر إحدى اللحظات في غرفة العمليات بالبيت الأبيض في عام 2008، عندما كان الرئيس جورج دبليو بوش مولعا بالتأمل والتفكير على نحو غير معهود.

وذكر في الكتاب: «نظر الرئيس إلى (وزير الدفاع) روبرت غيتس ومايك مولن، الذي خلف بيتر بيس في منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، واسترجع بالذاكرة الأيام العصيبة في عام 2003 قبل شن الحرب التي أصبحت معضلة وقال: أتعرف، عندما اتخذت القرار بشأن الحرب على العراق؟ سألت كل شخص موجود على مائدة الحوار في غرفة العمليات، وكذلك كل مسؤول، وقلت لكل واحد على حدة: هل توافقني الرأي؟ هل لديك أي شكوك إزاء ذلك؟ ولم يصدر أي شيء عن أي شخص منهم».

وفيما يدرس الرئيس أوباما الآثار المدمرة لطرح برنامجه المتعلق بالرعاية الصحية، دعنا نأمل أن يكون لديه معرفة مماثلة بأن السبب في عدم تنفيذ وعده الرئاسي كان بغيضا للغاية، فالروايات التي نقلها مسؤولون سابقون في الإدارة كانت كارثية، فأوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلا عن مسؤول سابق رفيع المستوى بالإدارة «عارض مستشارو الرعاية الصحية في البيت الأبيض الآمال الواسعة لتعهد أوباما». وأردف المسؤول قائلا «لقد كان المساعدون السياسيون يهيمنون على الوضع ولم يكن البيت الأبيض على دراية بشأن الاعتراضات».

لم يسمع أوباما، سيرا على منوال بوش، «أي شيء من أي شخص».

لا، لم يكن السقوط المحرج لبرنامج «أوباما كير» شبيها بموقفه تجاه العراق: إن الأمر مختلف بالكلية، والمشكلات قابلة للتكييف. بيد أن عملية صناعة القرار متشابهة بشكل مزعج؛ ففي كلتا الحالتين، شاركت الإدارات ذات الأفق الضيق والمليئة بالموالين الذين ينتابهم هاجس السرية، في التفكير الجماعي، مما سمح للرئيس بالاستماع إلى ما يرغبه فقط.

وفي تفسير مليء بأدلة قاطعة بشأن تنفيذ برنامج «أوباما كير»، وصف زملائي بجريدة «واشنطن بوست»، أميي غولدستين وجوليت إلبيرن، كيف رفض أوباما النداءات من الخبراء الخارجيين وحتى من بعض مستشاريه لإشراك الشعب في خبرة التعامل مع تلك المهمة الجسيمة، وبدلا من ذلك، ترك أوباما هذا المشروع للموالين من داخل المؤسسة. «وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة، ظهر أن التقوقع وضيق الأفق – بالنسبة لهذا القرار والقرارات الأخرى التي ستتبعه – هما العاملان الرئيسان في الظهور الأولي المفجع والكارثي»، وفقا لما ذكره غولدستين وإلبيرن.

ويعتمد تقريرهما على مذكرة متبصرة أُرسلت إلى البيت الأبيض في شهر مايو (أيار) لعام 2010 من قبل الأستاذ بجامعة هارفارد ديفيد كالتر، وهو مستشار خارجي لعملية إصلاح الرعاية الصحية. وكتب كالتر يقول: «إن ما يشغل بالي هو أن هؤلاء الموظفين، الذين تم وضعهم في ذلك المكان، وتلك العمليات لا تتلاءم مع حجم المهمة، ونتيجة لذلك، فإن هذه الإصلاحات الصحية لن يُكتب لها النجاح». «تتمثل نظرتي العامة في أن الجهود المبكرة للتنفيذ بعيدة عن المسار الذي ستسلكه عملية تنفيذ الإصلاحات بنجاح.. لا أعتقد أن الأطراف المعنية بالإدارة تفهم رؤية الرئيس أو لديها القدرة على تنفيذها».

حدد كالتر العديد من المشاكل التي ستتسبب في حدوث كارثة لاحقا إزاء الظهور الأولي لبرنامج «أوباما كير»: مفهوم السرية، وعدم وجود موظفين مؤهلين والاحتمالية بأنه «في حال تعذر إيجاد طريق للعمل مع الولايات المترددة والأفراد المؤمنين بالرعاية الصحية، فستتفاقم خسائر عملية الإصلاح».

وبدلا من ذلك اتبع أوباما فلسفة مختلفة للهيمنة: فمن خلال تبني المقولة «الذي تكسب به، يجب أن تلعب به» رأى أوباما أن الذين ساعدوه على سن قانون الرعاية الصحية يجب أن يكونوا هم المنفذين لذلك القانون.

لقد كتبت مرارا وتكرارا عن ضيق أفق أوباما. ومثلما كان منهج سلفه، فلقد كافأ الموالين له والمحيطين به من المستشارين الذين لديهم نفس الميول والأفكار، في حين نفر من معارضيه. لقد أدى هذا الأمر، بجانب الولع والهوس بالسرية مثلما كان الحال مع بوش، إلى وضع الرئيس في وضع وهمي، يصارع فيه للحصول على الدعم في الكونغرس أو بين العامة.

هذا يجعل العراق مقارنة ذات مغزى، حتى دون دعوة أوباما لإحداث «طفرة» تكنولوجية في برنامج الرعاية الصحية الحكومية. وعلى الرغم من اختلاف السياسات بصورة كلية، فقد ارتكب كل منهما خطأ مفرطا دون سبب، وهو ما تفاقم بسبب ضيق أفق الرئيس. ومن أحد الذين عقدوا مقارنة بين ذلك الأمر والمسألة العراقية، كان رون فورنير بمجلة «ناشيونال جورنال»، الذي ذكر أن أوباما «يحتاج إلى رحلة بحث عن الذات وأن يسأل نفسه. ما الأشياء التي افتقدتها ولماذا؟ ما الذي حافظت عليه ولماذا؟ لم يسأل بوش هذه الأسئلة حتى انتهت فترة رئاسته تقريبا.

ما زال أمام أوباما بعض الوقت لمعالجة مشاكل التقوقع وضيق الأفق.

السابق
تكليف اللواء خير بمهام الهيئة العليا للاغاثة مؤقتا
التالي
اعتصام للجسم الطبي في مستشفى المقاصد