ربط نزاع مع «حزب الله»: داخل الحكومة وخارجها

المقاربة الحكومية للحزب تؤكد رفضه تأليف حكومة، وتحقيقاً لهذا الهدف عمل على إحراج 14 آذار لإخراجها عبر تحميلها مسؤولية رفض 9-9-6، فيما لو كان حريصاً على هذه الصيغة لَما قدّمها بهذا الشكل الاستفزازي الذي يجعل مجرّد التفكير بها تخاذلاً وخنوعاً وتسليماً بشروطه.
ورفض الحزب قيام حكومة جديدة مُتأتٍ من سَعيه لإبعاد قوى 14 آذار عن موقع رئاسة الحكومة واستئثاره بالقرار الرسمي اللبناني بعد الفراغ الرئاسي، فضلاً عن رفضه إعادة تقاسم الوزارات مع 14 آذار، واستكمال تمدده وترسيخه على مستوى الدولة وإداراتها.
ولذلك، تصبح إعادة النظر بالاستراتيجية المتّبعة من قبل 14 آذار ضرورية على قاعدة ربط نزاع مع “حزب الله” في الحكومة وخارجها بغية وَقف تمدده وتغلغله داخل الإدارة ومؤسسات الدولة على اختلافها.
فالشروط التي دأبت قوى 14 آذار على تردادها كسقف لمساكنتها مع الحزب في الحكومة هي شروط محقّة، خصوصاً لجهة خروجه من سوريا ورفض الثلث المعطل وثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، إلا أنّ هذه الشروط على أهميتها تبقى مبدئية والتمسّك بها من دون ترجمتها على أرض الواقع بخطة واضحة المعالم وعمل سياسي تراكمي يرسِّم حدود نفوذ “حزب الله” داخل المعادلة اللبنانية، يعني أن الحزب سيبقى المستفيد الأكبر من استمرار هذا الواقع.
فعلى قوى 14 آذار الخيار بين مواجهة “حزب الله” داخل الدولة بمَنعه من وضع يده على مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى تمهيداً لتحوّله إلى الآمر الناهي بقوّة الدولة لا الأمر الواقع، أو الخروج من الدولة نهائياً تحت عنوان أنها أصبحت للحزب وتحت إمرته والذهاب نحو مواجهته على أرض الواقع على غرار تجربة المسيحيين عشيّة الحرب الأهلية عندما شعروا أن الضمانات الستة المتمثلة برئاسة الجمهورية والقضاء الأعلى وقيادة الجيش والامن العام والمخابرات وحاكمية مصرف لبنان لم تعد توفّر لهم هذه الضمانة، فذهبوا باتجاه تشكيل ميليشيات للدفاع عن قضيتهم.
ولكن الاستمرار على هذا المنوال من الاستقالة سيؤدي عاجلاً أم آجلاً الى خروج 14 آذار من المعادلة الوطنية وتحكّم الحزب بالقرار الرسمي اللبناني. فهذه القوى، التي اعتمدت منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها نَهج المقاومة السلمية بغية “العبور الى الدولة”، عليها مواصلة نهجها وتزخيمه، وخلاف ذلك يعني تقديمها الدولة على طبق من فضة للحزب وترك مصير اللبنانيين مُعلقاً بين القوى المتطرفة في الجانبين.
فالنظام السوري استخدم وجوده العسكري لوَضع يده على الدولة اللبنانية، وهذا تحديداً ما يقوم به “حزب الله” اليوم، كونه يدرك استحالة حكم لبنان بجيشه.
هذا الحكم الذي لا يستقيم بعيون المجتمع الدولي إلا من داخل الدولة، وبالتالي يشكّل سلاحه الوسيلة لحكم لبنان مؤسساتياً ورسمياً ودولتياً، وهو ينطلق من تجربته مع الحكومة الميقاتية التي على رغم هويتها ولونها وفئويتها وطريقة وصولها لم تفلح 14 آذار بإقناع المجتمع الدولي بضرورة مقاطعتها، هذا المجتمع الذي كان يشيد بميقاتي والتزامه المحكمة وتمويلها وقرارات الشرعية الدولية.
ومن هذا المنطلق تحولت السياسة الانتظارية الى انتحار، حيث ان الوقت في ظل استقالة 14 آذار يعمل لصالح “حزب الله” الذي يعمل ليل نهار للوصول الى هدفه.
وبالتالي، فإنّ منعه من تحقيق هذا الهدف او تأخيره بأسوأ الاحوال يبدأ بمواجهته في كل وزارة وإدارة ومؤسسة من خلال عملية ربط نزاع محكمة معه في الحكومة وكل مؤسسات الدولة، خصوصاً أن الوقائع دَلّت أن الأزمة طويلة وتتطلب الإقلاع عن السياسة الانتظارية ووضع خطة مواجهة.
فلم يعد مهماً الوقوف عند مواقف مبدئية في ظل التآكل الممنهَج والمبرمج للدولة، هذا التآكل الذي لا يمكن إيقافه الا بتثبيت 14 آذار أقدامها داخل الدولة ومؤسساتها بدءاً من صيغة 9-9-6 التي تعتبر الموافقة عليها ليس تسليماً بمطالب الحزب، لكنها تجسّد قرار المواجهة معه من داخل مؤسسات الدولة.

السابق
لماذا لا يبالون؟
التالي
مهلاً أنت في «1984»