الثابت هو الثورة

الليدي اشتون سريعة الحركة، لكنها خفيفة الوزن السياسي، لأسباب تتجاوز شخصها الى الظروف التي جعلت الدور الأوروبي محدوداً. فهي تكثف زياراتها لمصر بالأصالة عن الاتحاد الأوروبي وبالنيابة عن أميركا، متقدمة الى الواجهة التي يغيب عنها جون كيري، منذ أسقط الشعب والجيش سلطة الاخوان المسلمين. ومن السهل عليها أن تلتقي الجميع وتستمع الى كل الآراء. لكن من الصعب أن تقدم مبادرة مقبولة توقف العنف وتضمن الشروط الواقعية للمصالحة الوطنية التي أساسها التسليم بأن الخيار الوحيد هو تطبيق خارطة الطريق الى المستقبل.
ذلك أن الغرب الأميركي والأوروبي راهن على تيار الاسلام السياسي في السلطة بداعي الاستقرار والتفاهم معه على حماية المصالح الحيوية. وتخوف على هذه المصالح من التيارات الوطنية والقومية والليبرالية. فلا هو اعترض على استئثار الاخوان بالسلطة وفشلهم في ادارتها. ولا ما يقلقه اليوم هو الخوف على الديمقراطية بل على مصير الاخوان ودورهم تحت عنوان الخوف علي مصر.

والمسألة بالنسبة الى أميركا وأوروبا هي الحد من الخسائر عبر التسليم بالواقع الجديد والسعي للتأثير فيه. لكن المشكلة هي رفض الإخوان أي حلّ سوى ما كان أصل المشكلة، وهو حكم مكتب الإرشاد عبر رئاسة محمد مرسي. فلا شيء يتقدّم في حسابات الإخوان على السلطة التي يقولون انها وسيلة لخدمة العقيدة، مع ان التجربة أظهرت العكس. وهل هناك أفظع من قول المرشد العام محمد بديع ان عزل مرسي أفدح من هدم الكعبة؟ هل ما يطلبه الإخوان بالاعتصام والعنف سوى استعادة ما فشلوا فيه وخسروه؟ وهل ما يرفعونه سوى شعار خلاصته: أعطونا القصر لنأخذ من انقلب علينا الى القبر؟
مفهوم ان حسابات السياسة الواقعية دفعت الغرب الى اختيار الغموض والتردد في توصيف ما حدث، وهل هو انقلاب عسكري أم ثورة شعبية. لكن المسألة ليست ما يقرره الغرب وما يصرّ عليه الإخوان المسلمون بل ما قررته أكثرية المصريين. وهي أكثرية موصوفة سحبت الشرعية من مرسي خوفاً على مصر والديمقراطية من الدولة الدينية. ولن تتردد في النزول الى الشارع للحؤول دون خطر الوقوع مجدداً في الدولة الأمنية. فلا مستقبل لمصر والعرب إلاّ باقالة الدولة المدنية الديمقراطية التي تحمي التعددية. ولا مجال لعودة الجماعة الى الهيمنة على المجتمع.
جهود أشتون كشفت ان ظروف المصالحة لم تنضج بعد. ولا أحد يعرف ان كانت ستنجح مع الوقت في ترتيب المشاركة في السلطة. لكن الكل يجب أن يعرف القاعدة أو المعادلة التي تحكم الوضع: الثابت هو الثورة والمتغيّر هو الشرعية.

السابق
مَن يهين المقاومة؟
التالي
معارك الجنرال المجانية