مَن يهين المقاومة؟

لم يشأ “حزب الله” تناول القرار الاوروبي بأي مقاربة جدية. لذا قابله بردود فعل متعددة الشكل، بالاستهزاء أولاً كالقول أن لا قيمة له، أو بالتحدي حين اعتبر الأمين العام حسن نصرالله أنه يجعل من الاتحاد الاوروبي “شريكاً في أي عدوان اسرائيلي” ما يعني أن شريك العدو لا بد أن يُعامل كما العدو. لكن القرار قوبل أيضاً بالثرثرة من قبيل أنه “ادانة” للجهة التي أصدرته، أو أنه فعل “ارهابي” في حد ذاته. وذهب البعض الى تحذير الخصوم المحليين لـ “حزب الله” من استغلال هذا القرار تحت طائلة معاملتهم، كالعادة، بالترهيب لئلا نقول بالارهاب، كما سبق أن فعل.

طلبت اسرائيل اتخاذ هذا الموقف الاوروبي بناء على “وقائع”، ولو أخذ الاوروبيون بها لما ترددوا طويلاً قبل أن يحسموا، لكنهم أصدروا قراراً سياسياً لاعتبارات واضحة تتعلّق تحديداً بالتطورات السورية وتدخّل “حزب الله” للقتال الى جانب النظام. لم يرد “الحزب” أن ينزلق النقاش الى هذا الملف، لماذا؟ لأنه يعلم أن هذا التدخل جعله شريكاً بل جزءاً من نظام تجرّد من أي قيم وأصبح اجرامياً خالصاً ومتجاوزاً حتى أكثر تعريفات الارهاب وحشيةً. ولا شك في أن “الحزب” يدرك هذا البعد المخزي لتدخله في سوريا.

الى ذلك، أعرب كثيرون عن شعور بالاهانة بسبب وصم “حزب الله” (مرةً اخرى يعرّضون اسم “الله” لموبقاتهم) أو جناحه العسكري بصفة “الارهابي”. ومردّ هذا الشعور الى أن البروباغندا المتعسكرة تقدّم “الحزب” على أنه “مقاومة”، و”مقاومة” فحسب. وهذا ما بات جمهوره يردده، منزّهاً “المقاومة” ومقدّساً اياها، بل هذا ما كان كثيرون من العرب والمسلمين يعتقدونه عن حق عندما كانت المقاومة ضد العدو الاسرائيلي، لكنها للأسف لم تعد مقاومة فحسب. وقد سارع “الحزب” الى التركيز على أن الاوروبيين “أهانوا” المقاومة حين وصفوها بـ”الارهاب”، خصوصاً أن بعض العواصم راح يسترجع تاريخه “الارهابي” قبل أن يصبح مقاومة ضد الاحتلال ساهمت في تطهيره من ذلك الماضي، لكن ممارسات “الحزب” ضد اللبنانيين والسوريين ما لبثت أن شكّلت واقعاً استعاد فيه ماضيه بل تجاوزه. أي إنه لم يكن مقاومة ثم أصبح فعلاً مقاومة بل مقاومة عظيمة للعدو لكنه لم يعد مقاومة فحسب. صنع لنفسه وظيفة اخرى في خدمة أكثر الأنظمة عاراً في تاريخ البشرية.

في هذه الحال يحق التساؤل، بمعزل عما يقرره الاميركيون والاوروبيون والاسرائيليون، من الذي أهان المقاومة – المقاومة الحقّة؟ لم يهنها العدو لأنه يخشاها و”يحسب لها ألف حساب”، ولا الغربيون المتآمرون عليها والمتواطئون تاريخياً مع اسرائيل ضد العرب، ولا الشعبان اللبناني والسوري اللذان يهانان باسم “المقاومة” وبسلاحها. الجواب المؤكد أن “الحزب” بجناحيه هو من أهان المقاومة.

السابق
القرضاوي والشهادة في مصر!
التالي
الثابت هو الثورة