الزوّار الأميركيّون: الانتخابات أولاً

مقدار اقتراب انتخابات 2013 يستعجل الأميركيون والأوروبيون إجراءها وفق القانون النافذ. يذهب اللبنانيون في الاتجاه المعاكس لهم، وهو عدم التوافق على القانون والانتخابات معاً. ما يقوله زائرون أميركيون إن الإدارة تريد الانتخابات في لبنان وسقوط النظام في سوريا

بضع ملاحظات استخلصها مسؤولون رسميون من مداولات أجروها مع زائرين أميركيين أفصحت عن مقاربة واشنطن الملفين السوري واللبناني، وتخوفها من إحداث ترابط بينهما.
أولى الملاحظات تلك، إيضاح الزائرين الأميركيين وجهة نظر الإدارة من مسار النزاع في سوريا بعد الموقف الذي أطلقه وزير الخارجية جون كيري في 12 آذار، وحضّه على جلوس الرئيس السوري بشّار الأسد مع معارضيه إلى طاولة مفاوضات تفضي إلى تأليف حكومة انتقالية، ومن ثمّ ردود فعل متفاوتة عليه على نحو أوحى بتغيير جوهري في الموقف الأميركي من تنحّي الأسد لم تتوقف واشنطن عن الإصرار عليه واستعجاله في سنة ونصف سنة على الأقل من الأزمة السورية.
كَمَنَ إيضاح الزائرين الأميركيين في أن تصريح كيري لم يرد في الصحف الأميركية خلافاً لتعميمه خارج البلاد، وبدا للإدارة أن الوزير الجديد ـــ الذي عرف الأسد عن قرب وزاره في أقل من سنة ونصف سنة ثلاث مرات (21 شباط 2009 وأول نيسان 2010 و22 أيار 2010) في مرحلة انفتاح واشنطن على الرئيس السوري مجدّداً وقد شجع كيري آنذاك الحوار معه ـــ تصرّف كسيناتور أكثر منه وزيراً للخارجية. لم يعتد أسلوب أسلافه في منصب حسّاس حيال ملفات دقيقة بدورها لا تحتمل التأويل والاجتهاد.
وخلافاً للسيناتور الذي يمتلك هامشاً واسعاً في التعبير وإبداء الرأي وإدماج الجانب الشخصي في الموقف السياسي، يتوخى وزير الخارجية في الغالب التحفظ والدقة وعدم التسبّب بإحراج ينجم من سوء تفسير مواقف الديبلوماسية الأميركية والإفصاح عنها. وأبرَزَ الزائرون الأميركيون ثبات واشنطن في نظرتها إلى الأزمة السورية وفق قاعدتين: لا تغيير في السياسة الأميركية من نظام الأسد، ولا طاولة حوار بينه أو أي من من أقربائه ومعاونيه من أسرته والمعارضة السورية.
ثانية الملاحظات، أن واشنطن لا تزال تتردّد في تزويد المعارضة السورية سلاحاً للحجج التي أوردتها مراراً ولا تزال تتشبث بها، ومنها خشيتها من وصوله إلى تيّارات سلفية متطرّفة باتت الأقوى اليوم في مواجهة نظام الأسد والأكثر فاعلية. تتمسّك الإدارة كذلك بموقف رفض التدخّل في الأزمة السورية، خصوصاً أن الرئيس باراك أوباما ـــ تبعاً لما يقوله الزائرون الأميركيون ـــ فاخر بأنه أخرج بلاده من حربين في العراق وأفغانستان، والحري به أن يرفض زجّها مجدداً في حرب ثالثة.
بيد أن الإدارة لن تقف مكتوفة الأيدي حيال تطور يعبّر عن كارثة حقيقية في مسار النزاع الدائر في سوريا، كاستخدام نظام الأسد أسلحة بيولوجية أو كيميائية. لم تتلقَ بارتياح دعوة فرنسا وبريطانيا إياها للانضمام إليها في تزويد المعارضة السورية أسلحة متطورة، تعتقد أن من شأنها إحداث تغيير جوهري في موازين القوى العسكرية هناك، ونظرت واشنطن إلى الإصرار الفرنسي ـــ البريطاني على هذا الهدف من زاويتين:
ـــ إحداهما رغبة باريس وبريطانيا في تكرار سابقة ليبيا عندما وقفتا إلى جانب المعارضة المسلحة وزوّدتاها أسلحة ثقيلة لترجيح الكفة، كي تضمنا، في المقابل، موطئ قدم ونفوذاً لهما في مرحلة ما بعد انهيار النظام. وهو ما تأملان حصوله بعد سقوط الأسد، فتجدان حظوظاً لهما لدى المعارضة التي ستحل في الحكم محل الرئيس السوري.
ـــ الأخرى ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة لإحراجها، ودفعها إلى الموافقة على مدّ المعارضة السورية بسلاح متطور وثقيل.
لكنّ الزائرين الأميركيين يتحدثون أيضاً ـــ في معرض مراجعة مقاربة الأزمة السورية على مرّ السنتين الأخيرتين ـــ عن أن واشنطن لم تختر التدخّل عندما كان للموقف السياسي ثقل وتأثير معنوي مباشر، ولن تقدم عليه الآن بعدما فقد الموقف السياسي مغزاه وتوجيهه مع تطور أحداث سوريا على نحو فاق التوقع.
ثالثة الملاحظات، أن القلق يساور الإدارة من تمدّد الأثر المذهبي للحرب الدائرة في سوريا إلى العراق ولبنان، نظراً إلى وجود عوامل يسهل عليها تلقف هذا الأثر. وتخشى من أن يتسبّب الدور الذي يضطلع به رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في إمرار المساعدات العسكرية الإيرانية إلى سوريا عبر حدود البلدين باستعجال تمدّد النزاع المذهبي إلى جيرانها.
رابعة الملاحظات، حرص الإدارة على الاستقرار في لبنان واستمراره بلا خضات وتفادي تورّطه في أحداث سوريا. إلا أنها تجد ـــ وفق اعتقاد الزائرين الأميركيين ـــ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها حجة قوية وإضافية لثبات هذا الاستقرار. ترى واشنطن أسباباً شتى تكفل الاستقرار، من بينها الابتعاد عن التأثر بما يحدث في سوريا، وتلتقي مع أصدقائها الأوروبيين على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
وبحسب المعطيات المتوافرة لديها، تعتقد واشنطن بأن الوقت ينقضي بسرعة من دون التوافق على قانون جديد للانتخاب، إلا أنه يضع الانتخابات عندئذ في دائرة الخطر واحتمال عدم إجرائها.
بذلك يقترب موقف الزائرين الأميركيين ونصيحتهم بإجراء الانتخابات في موعدها من حجّة كان قد تمسّك بها السفير السابق في بيروت جيفري فيلتمان عندما رفض عام 2005 تأجيل الانتخابات، وأولى إجراءها منزلة متقدّمة على الاتفاق على قانون جديد أثير حينذاك بغية التخلص من قانون وُصف منذ عام 2000 بأنه من صنع اللواء غازي كنعان. ورغم قول فيلتمان إنه غير معني بالقانون والنتائج التي ستسفر عن تطبيقه في انتخابات 2005، واقع الأمر أن دوره المباشر في بناء التحالفات الانتخابية وتذليل العراقيل من طريق الترشيحات وتوزيع الحصص والمقاعد على أفرقاء 14 آذار مكّنه من معرفة النتائج سلفاً.
وتبعاً للمطلعين على موقفها، في معزل عن ملاحظات الزائرين الأميركيين، تركز الإدارة على الآتي:
ـــ رغم إحجامها عن تحديد موقف منه، الإدارة أو السفيرة في بيروت مورا كونيللي، تعارض واشنطن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي في حصيلة معطيات استقتها من معظم الأفرقاء اللبنانيين الذين اتصلت بهم مباشرة أو على نحو غير مباشر، انتهت إلى تقويمها إياه بأنه يقسّم الطوائف. لم تُدلِ السفيرة ولا سواها بموقف منه، وتعدّ الأمر شأناً لبنانياً داخلياً ليس لها الخوض فيه. لكن ذلك لا ينفي أن للسفارة والديبلوماسية الأميركية موقفاً من قانون الانتخاب، مستمداً من تقديرها واقع العلاقات اللبنانية ـــ اللبنانية والاستقرار الداخلي وانتظام الحكم وعمل المؤسسات. ترفض أو تقبل من غير أن تعلن ذلك جهاراً.
ـــ ترى واشنطن أن قانون الانتخاب يعود إلى اللبنانيين وحدهم، لكنها معنية بالإلحاح عليهم بإجراء الانتخابات في موعدها بغية تشجيعهم على المحافظة على التقاليد الديموقراطية وتداول السلطة.
ـــ لم يفصح الأميركيون مرة عن رأي في قانون الانتخاب، إلا أنهم دخلوا على الجدل الدائر حوله متأخرين، وتحديداً قبل 10 أيام، بعدما تضاءلت الآمال في التوصّل إلى توافق على قانون جديد. بانقضاء المهل يوماً تلو آخر، باتوا معنيين بإجرائها ومتمسكين بمواعيدها في منأى عن القانون النافذ. لا يعني ذلك سوى الذهاب إلى الانتخابات بهذا القانون ليس إلا.

السابق
من يمنع ومن يمتنع عن الفتنة
التالي
ترجمة الحلّ السياسي