واشنطن والمواقف الضبابية

ثلاثة أحداث سياسية مهمّة شهدها الأسبوع الحالي، جميعها تصبّ في مسار واحد وهو مستقبل الوضع في سورية، نتيجة التطوّرات الأمنية والعسكرية المستجدّة التي تشهدها بعض المناطق هناك والتصعيد من قبل المجموعات الإرهابية المسلّحة الذي تمثّلت بعمليات انتحارية وقصف بعض الأحياء في دمشق وريفها بقذائف الهاون، حيث يرى فيها البعض أنها العاصفة التصعيدية قبل بدء المفاوضات والحوار على المستويين الدولي والداخلي للبدء بعملية سياسية قوامها الأساسي ما تضمنته مقررات جنيف والأفكار التي طرحها الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير حول كيفية الحلّ السياسي.
الأحداث السياسية المهمة انطلقت من زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى روسيا ولقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف، حيث رأت مصادر دبلوماسية روسية وسورية أن هذه الزيارة، وإن كانت في سياق التشاور الدائم والتنسيق بين البلدين، إلا أن أهميتها تأتي أيضاً من كونها حصلت قبل يوم واحد من لقاء وزيرالخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري في برلين.
وتعتبر المصادر الدبلوماسية أن الموقف الذي أعلنه المعلم في ختام لقاءاته مع المسؤولين الروس اكتسب أهمية بالغة، إن كان من حيث التأكيد الذي أعلنه الرئيس الأسد عن استعداد القيادة في سورية لفتح حوار مع كل الجهات السورية المعارضة، وإن كانت تختلف سياسياً مع الدولة والحكومة السورية، وفي الوقت نفسه فإن الدولة السورية ستتابع مسيرة تصديها للإرهاب بكل أشكاله وأنواعه واقتلاع جذوره من الأرض السورية، ولكن العنصر الجديد الذي توقفت عنده المصادر الدبلوماسية في كلام الوزير المعلم هو استعداد الحكومة السورية للحوار حتى مع الجماعات التي تحمل السلاح، لأن تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يمكن أن يحصل عن طريق سفك الدماء والعنف، بل عن طريق الحوار.
وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن هذا الموقف السوري المستجدّ والمتطوّر لقي ترحيباً ودعماً روسياً كبيراً كونه يضع في يد الدبلوماسية الروسية ورقة جديدة في اتصالاتها ومشاوراتها المستمرة مع بعض الأطراف الدولية والإقليمية بشأن الملف السوري، لأن في هذا الموقف السوري الإيجابي دلالة واضحة على مدى جدّية القيادة على تحقيق الحوار بين جميع مكونات الشعب السوري للخروج من الأزمة الراهنة التي تعيشها سورية، وهذا الأمر هو الذي جعل وزير الخارجية الروسي يعلن صراحة عن أن الجماعات المتطرّفة داخل «المعارضات» السورية هي التي تعرقل الوصول إلى الحوار والحلّ السياسي.
والحدث الثاني المهم الذي خطف الأضواء، هو اللقاء الذي جمع وزيرا خارجية أميركا وروسيا في برلين في اليوم التالي للقاء المعلم ـ لافروف، وتوقفت بعض المصادر باهتمام أمام كلام لافروف بعد اللقاء، والذي قال فيه إن روسيا وأميركا تسعيان إلى تحقيق العملية السياسية في سورية، من خلال الدعوة والعمل على الحوار بين الحكومة والمعارضة، إلى درجة دعا فيها لافروف المعارضة السورية إلى تسمية ممثليها في عملية الحوار المرتقبة، وهذا الموقف الروسي العلني والواضح لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، بل يجب التوقف عنده على قاعدة أن القيادة الروسية تتخذ مواقفها بكل شفافية وصراحة، في حين أن الإدارة الأميركية ومن خلال تجارب عديدة من أزمات في العالم تُبقي مواقفها ضبابية، ولكن على الرغم من ذلك فإن لقاء كيري ـ لافروف يمثل خطوة إيجابية باتجاه ليس إيجاد الحل السياسي في سورية فقط، ولكن ملفات دولية أخرى هي موضع تباين وخلاف بين الدولتين، ولكن بما أن الملف السوري هو الأكثر إلحاحاً للحل، فإنه أخذ حيزاً مهماً في مباحثات الوزيرين، باعتباره يشكل خطراً حقيقياً على السلم العالمي في حال تطوره بصورة سياسية ودراماتيكية.
أما الحدث الثالث فهو المباحثات التي جرت في كازاخستان بين الجمهورية الإسلامية في إيران ومجموعة «الخمسة + 1»، وهذه المباحثات ليست بعيدة أيضاً عن الملف السوري وإن كان عنوانها الملف النووي الإيراني، وهذا ما أشار إليه رئيس مجلس الأمن القومي سعيد جليلي، عندما كشف عن أن اللقاءات السابقة مع المجموعة الدولية كان يتم التطرّق فيها إلى الملف السوري والوضع في البحرين، وهذا يعني أن هناك ملفات عدة مرتبط بعضها ببعض في العالم تتطلب وفاقاً وتسوية دولية عنوانها الكبير سيكون الحوار الأميركي ـ الروسي، وفي ضوء ما هو مرتقب منه سيتحدّد مصير الكثير من هذه الملفات.

السابق
هيئة التنسيق اعتصمت امام وزارة العمل وغدا في النافعة
التالي
المشكلة اولا وأخيرا المشروع الايراني