هل يوقفون الحجّ إلى بيت الله؟

من المصطلحات المتداولة في الإعلام السياسيّ، عبارة «يُبنى على الشيء مقتضاه»، بمعنى أنّ التصرّف يكون بناءً على حدوث أمر ما، وبكلمات أخرى نقول، إنّه العلاقة بين السبب والنتيجة، أو الفعل وردّة الفعل. إذا كان هذا صحيحاً، وإذا كان صحيحاً أنّ فتوى قد صدرت من أحد رجال الدين في المملكة السعودية هو الشيخ عبد الرحمن البراك تقضي بهدم الكعبة.. عفواً، أرجو ألّا «ينقز» أحد من المسلمين لفكرة هدم الكعبة، لأنّ الشيخ الجليل يريد بناءها من جديد وبهندسة مبتكرة ليكون هناك – دفعاً للشبهة – مكانٌ للذكور وآخر للإناث. واستطراداً مع المصطلح المشار إليه: يُبنى على الشيء مقتضاه. ولأنّ أعمال الهدم وإعادة التعمير تتطلّب وقتاً في تقدير المهندسين لا يقلّ عن سنتين، فمقتضى هذا الشيء أن تتوقّف تأدية مناسك حجّ المسلمين إلى البيت الحرام لمدّة سنتين إن لم يكن أكثر. وحتى لا يحدث حرج أو سوء تفسير، علينا أن نتوقّع صدور قرارات، ربما بتوقيع فضيلته وخاتمه أيضاً، تطلب من مسلمي العالم التوقّف عن الحجّ. لماذا؟ لأنّ فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك ارتأى ذلك أو قرّر ذلك على اعتبار أنّه صاحب فتوى ويرى أنّ من حقّه أن يكون وليّ أمر المسلمين بناءً على الآية التي تخاطب المؤمنين بما معناه إن لم يكن حرفياً: «وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم».
لم ننته بعد، هذه واحدة من الفتاوى، أمّا الثانية فهي قوله أنّ الانتخابات حرام، وخروجٌ عن طاعة الله لأنّ الإسلام لم يعرف «هذه البدعة» المسمّاة انتخابات، ولأنّ فكرة الانتخابات دخيلة ومن مبتكرات الغرب، وتطبيقها هو تقليد للغربيين لا أكثر…. سمعاً وطاعةً يا صاحب الفضيلة.
السؤال البديهيّ الذي يتبادر إلى ذهن الإنسان حين يسمع هذا الكلام وتلك الفتاوى هو التالي: أيّ إسلام يريدون منّا الالتزام به والسير على هداه؟ إسلام الفتاوى التي تقرّر أنّ مياه البحر مذكّر ومياه البركة والبحيرة مؤنّث ولا يجوز أن يلتقيا، والخلط بينهما حرام وإثم كبير، وأنّه ما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما؟ أم إسلام الرسول محمد الذي قال لمن جاؤوا يستشيرونه في أمر: «اسألوني في أمور دينكم، أمّا شؤون دنياكم فأنتم أدرى بها». هل هو إسلام الإمام عليّ في نقمته على الفقر والعوز ودعوته إلى التقيّد بالدين الذي يدعو إلى الرأفة؟ أم إسلام من يوجّه قذيفته إلى طلاب جامعة حلب ليقتل أبناء وطنه ودينه وهو يصرخ «الله أكبر»؟! مسؤولية مَن التمييز بين إسلام وتأسلم؟ أين المراجع الدينية والفقهاء ورجال الدين في الأزهر وفي قم، في النجف أو القيروان، بل في أيّ مدينة أو قرية وفي كلّ شارع يوجد فيه إنسان مسلم مؤمن!
لا أحبّ الاستعراضات الخطابية، لكنني أسأل عن المراجع الدينية المسؤولة: كيف تسمح لأمثال عبد الرحمن البراك ولعشرات من أمثاله أن يشوّهوا الدين والتاريخ إلى هذا الحدّ، ما جعل المسلمين أضحوكة في باقي أنحاء العالم؟! قد يردّ أحد أصحاب العمائم بالقول إننا لا نعير كلاماً كهذا اهتماماً. وهذا خطأ بل خطيئة، لأنّ ما يقوله هو وأمثاله يسري في الجسم الإعلاميّ ويصل إلى عقول الناس البسطاء فيظنّونه الحقّ والصواب.
المسألة غير محصورة في زمان معيّن أو مكان محدّد. أتذكر حادثة في سبعينات القرن الماضي حين تأسّست جامعة الكويت، وتقرّر بناء مسجد داخلها، فقال أحدهم: كيف يكون جامع وجامعة في مكان واحد؟ هذا مذكر وتلك مؤنث. يا ويلنا مما نفعل ونقول!
إذا كان الناس في لبنان يتظاهرون أو يطالبون بقانون انتخابات عصريّ، وينسون لقمة العيش ومشكلات الماء والكهرباء، وإذا كان الناس في مصر يتظاهرون مع دستور الإخوان المسلمين أو ضده، وفي البحرين يتظاهرون مطالبين بالحرّية والعدالة، وفي كل مكان، من الأحرى أو الأجدر بنا جميعاً أن نتظاهر ضدّ هذا الفلتان في إصدار الفتاوى المسمّاة فتاوى شرعية، وليس لها من الشرع والشرعية قلامة ظفر. وبدل التجمّع أمام هذه السفارة أو تلك، وأمام هذا المبنى أو غيره، لم لا نتجمّع أمام مقار الفقهاء والمفتين والعلماء العقلاء لنصرخ في وجوههم جميعاً: أوقفوا هذه المهازل المسمّاة فتاوى، وقد جعلتنا أضحوكة في العالم كلّه. لمَ لا يصدر الأزهر فتوى تقول إنّه لا يحقّ لأيّ معمّم أن يدلي بفتوى، بدل التلهّي بالدفاع عن مشروع الإخوان المسلمين والرئيس مرسي في السيطرة على مقدّرات مصر والانغماس في الشؤون السياسية، فهناك ما هو أكثر أهمية من ذلك كلّه.
مرّة أخرى: أفتونا يا أصحاب العمائم في موقف من تلك الفتوى التكفيرية، ولن نناقش هنا ما هي الديمقراطية والشورى وما هي مراحل التقدّم التي قطعتها البشرية حتى وصلت إلى مفهوم الديمقراطية وشرعية الانتخابات التي يسخر منها صاحب الفضيلة المشار إليه أعلاه.

السابق
حاسبوا النواب
التالي
جنجنيان: لا عودة الى قانون الستين