جعجع يواصل هوايته حتى آخر مسيحي

لم تقفل سيدة إيليج التي عمرها أكثر من 2000 سنة أبوابها في وجه أي مسيحي أو حتى مسلم، إلى أن أقفلها أول من أمس عناصر من حزب «القوات» بأمر من سمير جعجع، ومعهم «الكتائب»، أمام زيارة كان من المقرّر أن يقوم بها رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ومناصروه، ضمن جولته الجبيلية التي استمرّت طوال يومي السبت والأحد الماضيين.

هذا المشهد لم يكن غريباً أو مفاجئاً لأيّ مراقب سياسي، على الرغم من أنه فاجأ بعض العونيّين الذين امتلأت صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بالاستنكار والاستغراب واستذكار الماضي والحاضر القريب للممارسات القواتية.
في تشرين الأول 1990 اقترفت «القوات» بقيادة جعجع عملية اغتيال رئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون، وأفراد عائلته، لكن للمفارقة، أن الشمعونيّين الموالين لـ»دوري» الذين لن يمنعوا جعجع من زيارة ضريح داني إذا أراد، بل وجّهوا إليه دعوة لحضور القداس بمناسبة ذكرى اغتياله، منعوا العماد عون، أثناء زيارته الشوفية منذ عامين من زيارة مدفن شمعون في دير القمر. هذا المشهد تكرّر في إيليج، لكن، من قبل جعجع الذي يدعي القداسة، فأقفل باب الكنيسة الجبيلية أمام الحشود العونية.

هذا التصرف الإلغائي أعاد إلى اللبنانيين ذاكرة الحرب التي سئموها، ويحاولون نسيانها ونسيان ما اقترفته أيدي الميليشيات إبانها من قتل وذبح، وصولاً إلى تحويل الكنائس إلى متاريس قبل أن يدكّوها بالمدافع والراجمات والديناميت، بكلّ ما فيها من أيقونات وأجراس، وأحياناً على رؤوس من فيها من الكهنة والمصلين.
كما أعاد هذا التصر إلى الذاكرة التي يبدو أنها ستبقى حاضرة في ذهن أيّ مسيحي وطني مؤمن بأرضه ووطنه، قتل النائب البطريركي المونسنيور ألبير خريش ومن فجّر مطرانية زحلة، التي لا تزال عين النائب السابق لرئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي شاهدة على ذلك، وكنيسة «سيدة النجاة» في ذوق مكايل في جونيه، هذا فضلاً عن تهجير المسيحيين من الجبل وشرق صيدا، وارتكاب مجزرة إهدن شمال لبنان التي أودت بحياة النائب والوزير السابق طوني فرنجية وعائلته، بطريقة وحشية بحيث لم يبق حياً من العائلة إلا رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، فضلاً عن مجزرة الصفرا، وصولاً إلى صبرا وشاتيلا بحق الفلسطينيين واللبنانيين، التي أحيت القوى الوطنية ذكراها الثلاثين منذ أسبوعين.

الخلاف بين «القوات» وبين «التيار الوطني الحر» ليس وليد الساعة، بل يعود إلى مرحلة ما قبل العام 1990، أي قبل تأسيس التيار، عندما كان العماد عون قائداً للجيش، حيث دخل رجل غدراس يومها بحرب مع القوى المسلحة الشرعية على الأرض، وقام بقصف ثكنات الجيش، ودخلت قواته الميليشياوية بحرب معه، وارتكب جعجع يومها مجازر بشعة بحق العسكريين، فقام بتفجير ثكنة مغاوير الجيش الواقعة قرب سجن رومية وارتكب مجزرة عمشيت، وقامت قواته أيضاً بقتل كلّ من يرتدي بزة الجيش اللبناني، وبمداهمة المنازل بحثاً عن العسكريين، الذين نجا البعض منهم رغم إصابتهم بجروح، وأبرز هؤلاء المقدم (آنذاك) شامل روكز، قائد فوج المغاوير حالياً، المقدم ديديه رحال، المقدم جورج خميس، العقيد جورج استانبولي؛ الجنرال أنطوان كريم، جوزف غصن ـ قائد مقرّ جبل لبنان، الجنرال سمير القاضي، الجنرال مخول حاتمي، والشهيد الجنرال فرانسوا الحاج الذي كان يعتبره جعجع هدفاً أساسياً دائماً له ومسؤولاً ميدانياً عن إدارة ما سمّيَ بـ»حرب الإلغاء» بين الجيش اللبناني و»القوات».

وأمس كانت الذكرى الثانية عشرة للمجزرة التي ارتكبتها عناصر تابعة لجعجع في 1/ 10 /1990 على جسر نهر الموت، حيث أطلقوا يومذاك النار على متظاهرين مؤيدين للجيش وللعماد عون، وراح ضحيتها 20 شهيداً و140 جريحاً من المتظاهرين.
وأمام ما اقترفته أيدي القواتيين بحق العونيين، فإن الردّ العوني كان دائماً بمنطق مؤسساتي، ومتماشياً مع دعوات بكركي إلى التلاقي والحوار، فبعض النواب العونيين يحاول التواصل دائماً مع نواب كتلة «القوات»، وهذا ما حصل أخيراً أثناء قضية المياومين في مؤسسة الكهرباء، التي جمعت النائبين ابراهيم كنعان وجورج عدوان وأنتجت لقاء بكفيا، فضلاً عن تلبية بعض رؤساء بلديات المتن المحسوبين على التيار الوطني الحر لدعوة جعجع إلى العشاء في معراب، في حين أن القواتيين يقابلون هذا الانفتاح بالمزيد من محاولات الإلغاء والعنصرية.
وعليه، فإن أوساطاًُ متابعة ترى ضرورة أن يعيد التيار الوطني الحر النظر إلى حد ما في سياسته الإنفتاحية الدائمة،لأن هذه السياسة مطلوبة مع من يلاقيها في منتصف الطريق ويبدي انفتاحاً في المقابل.

لا يريد جعجع حماية المسيحيين وتثبيتهم في أرضهم، فصاحب مقولة «فليحكم الإخوان»، شنّ هجوماً عنيفاً على البطريرك بشارة الراعي على خلفية مواقفه ممّا يجري بحق المسيحيين في المنطقة، ومن الأزمة السورية، ومن الموجة الأصولية التكفيرية السائدة. ويبدو أنّ جعجع الهاوي تهجير المسيحيين، يواصل اليوم هوايته هذه، حتى آخر مسيحي، يعاونه في ذلك حلفاؤه في الداخل والخارج.  

السابق
صدمة بكركي الإيجابية
التالي
نجل السيد نصرالله كان المستهدف عند اختطاف حافلة الحجاج بسوريا