كل هذا العار

كلٌ يُنتج عاره. تلتقي سواقي العار وصديده وأدرانه مؤلفة بحراً من الذل والعجز والخيبة والجنون.
هذا بعض ما يخبرنا به سلمان رشدي في روايته «العار» حيث يتحد عار الولادة بعار الطرد من الديار. ويلتحم عار الكذب بادعاء الشرف، بالرغبة في قتل كل آخر مختلف. عار العته بعار الزنا. فتظهر بلاد يسودها العنف والموت والسؤال عن جدوى الحياة ومعناها وعبثها.
يروي لنا رشدي، بأسلوب «الواقعية السحرية»، جانباً من تأسيس باكستان وتاريخها والصراع بين اشخاص قذفت رياح التاريخ بهم ووضعتهم من دون ان يريدوا او يرغبوا الى جانب بعض. وبعضهم في مواجهة الآخر. ومن دون ان يستخدم الاسماء الصريحة، يحدثنا عن ذو الفقار علي بوتو الانتهازي المتأثر بالغرب والمستعد لتبني الاشتراكية اذا كانت طريقاً الى السلطة وعن الجنرال ضياء الحق المتدين بلا ايمان والمتشدد بلا عقل والدموي في سعيه الى قهر اعدائه والحفاظ على «الشرف» كما يفهمه عسكري تربى في ثكنات يأمر فيها الأجلاف وينهون. عن جبال وقفار لم يعرف أهلها من «الدولة» الا سياسات النهب الأقرب الى الاحتلال والاستعمار.
ومن يعتقد في عالمنا العربي انه افضل حالاً من باكستان، اليوم كما في طور تشكلها، عليه ان ينظر حوله وان يمعن النظر. فها هو القيح النازل من جراحنا يتراكم على المنابر والشاشات، يخطب فينا داعياً الى الثأر لكرامة أهدرت وإساءات الحقت بمقدساتنا.
لا يعرف معتلو المنابر معنى للخجل او لاحترام الآخرين. ويرون فائدة كبرى في تحويل الانظار عن مآزقهم في تحقيق الوعود التي وصلوا الى السلطة في ظلها. وهم يعرفون ان الدعوة الى الثأر من اساءة لحقت بالرسول، اجدى في حشد الناس وتجييش العواطف من كل النقاشات السياسية ومساعي بناء دولة مدنية حديثة في بلدان الربيع العربي. ويعرفون، وهم الذين وقفوا الى جانب الانظمة المتهاوية حتى اللحظة الأخيرة، على ما يشهد رفضهم المشاركة في التظاهرات في مصر اثناء ثورة يناير 2011، أن امساكهم بالسلطة يمر عبر التصويب على اسهل الاهداف: اميركا. المكروهة غريزياً في الشارع العربي لألف سبب وسبب.
وفي بحثهم عن الأغطية الملائمة لافلاسهم السياسي والاخلاقي، يدعون الى التظاهر الكثيف لرد الاساءة، فيما يغضون النظر عن انتهاكات حلفائهم القتلة وما يرتكبون من جرائم ضد ابناء وطنهم. فليس في عرفهم ان الاخلاق منظومة متجانسة لا يمكنها، سواء صدرت عن الدين او عن الممارسة الاجتماعية، القبول بقتل الاطفال ببراميل المتفجرات وقطع رؤوسهم، من جهة، واعلان الحرب على من انتج فيلماً بائساً لتناوله السيرة النبوية تناولاً غبياً من جهة ثانية.
ولا يدخل في اطار وعيهم الانتهازي الاداتي ان محاولة استغلال السفاهة المسماة فيلماً عن الرسول، تستبطن -من قبلهم- احتقاراً عميقاً ليس لأهالي ضحايا القمع في سورية ولا لملايين المصريين والليبيين الطامحين الى غد افضل، بل الى جمهورهم هم بالذات. احتقار لقدرة هذه المخلوقات التعسة على التمييز بين مصالحها وحقوقها ومستقبلها وبين انفعالاتها العاطفية.
وعلى عار الصمت امام جسد طفلة مقطوعة الرأس وعلى فتى ضاع نصفه تحت انقاض بيت فجرته قنابل الممانعة وعلى حرق مؤسسات عامة وخاصة بنار التعصب والجهل، على هذا العار الذي نتشارك جميعاً في انتاجه، يتصور بعض المحرضين على العنف الطائفي، أنهم يبنون مستقبلاً لجماعاتهم يبقيها كالشاة ترعاها الذئاب.
 
 

السابق
خطوط التداخل!
التالي
دلالات الهبّة الفلسطينية في وجه السلطة الوطنية!