في الإصلاحي مجدّداً

بسيط وصارخ في وضوحه خبر طلب فادي قمير الابتعاد عن وزير الطاقة جبران باسيل. والأمر في تفاصيله يشكّل فضيحة من العيار الممتاز لمدّعي الإصلاح الضاربين على طبول التغيير، فيما هم، أوّل وأكثر مَن يحتاج إلى إصلاح (مستحيل) وإلى محاكمة سياسية إدارية وأخلاقية عن شعاراتهم التزويرية وممارساتهم الأكثر تزويراً وفساداً.
فادي قمير، كما يعرفه اللبنانيون، رجل دولة، إداري رسمي. مواظب وعنده لمعة إنتاجية مميّزة، ودكتور ومهندس وصاحب اختصاص، ويُعرف في مديرية وزارة الطاقة أنّه واضع مشروع الخطة العشرية للسدود المائية في لبنان، الهادفة إلى الاستفادة القصوى من هذه الثروة وعدم الاسترسال في رميها بالبحر.

هذا الرجل الدولتي المؤسساتي، الذي لا "تلطّخ" سيرته ربّما إلاّ اللحظة السياسية التي جاء فيها إلى الإدارة العامة، أي في أيام السيئ الذكر إميل لحود، يقف اليوم صارخاً يائساً هارباً من وزير الطاقة ومفضّلاً الخروج من جنّته الإصلاحية والتغييرية إلى جحيم الإدارة أيّاً كانت، لأنّه اكتشف يوماً بعد يوم، ومشروعاً تلو مشروع، مخالفات قانونية ومالية جسيمة وكبيرة.

.. فادي قمير لا يشتغل عند "تيّار المستقبل"، ولا ينام في حضن "القوّات اللبنانية"، وليس من الذين يتردّدون على صالون الشيخ بطرس حرب، وغير معروف عنه أنّه يملك أي نوع من العلاقة الخاصة أو العامة مع النائب انطوان زهرا.. هو إذن، لا يمكن رميه بأي قذيفة كيدية معهودة من قِبَل أبطال الرابية وصهر الرابية، ومدفعية الرابية الإصلاحية.. وشهادته بهذا المعنى تساوي ألف ألف شهادة.
يقول، أو بدقة أكثر وحفظاً للأمانات، يُنقل عنه، أنّه ضاق ذرعاً بما يحصل في وزارة جبران باسيل، وبالمخالفات المالية والقانونية والإدارية، وبعجقة المستشارين ورعونة تصرّفاتهم، وهم الذين جاء بهم باسيل لحساباته الآنية والانتخابية التافهة والأكثر من تافهة. وأنّ لديه ملاحظات أساسية وكبيرة على تلزيم مشروع بناء سد المسيلحة في منطقة البترون الذي يكلّف نحو ستين مليون دولار، والذي رغم اعتراض الهيئات الرقابية وديوان المحاسبة، أصرّ بطل الإصلاح على موقفه وفعل ما أراد!

وفي موازاة ذلك، هناك سد جنّة في بلاد جبيل الذي كشف النائب محمد قباني الكثير من "تضاريسه" الإصلاحية الكارثية.. وهناك بين السدود قصّة الهريان الذي ضرب قطاع المياه برمّته ضربة زلزالية غير مسبوقة منذ لحظة تسلّم باسيل للوزارة.. فيما الكهرباء تحكي عن حالها!

.. في دول أقل مرتبة من دولتنا، بالنسبة إلى سجل حفظ القانون "وممارساته" وتنفيذه والتقيّد به، كان لمرتكب مثل جبران باسيل أن يُوضع في السجن، وأن يُسأل ويُحاكَم على ارتكاباته العامة بحق اللبنانيين مائياً وكهربائياً، وعن ارتكاباته الخاصة لجهة ظواهر النعمة التي بانت عليه فجأة، علماً أنّ كثيرين يعرفون، وكثيرين لا يعرفون "من أين له هذا"!
  

السابق
عيد الجيش.. عيد لبنان
التالي
67 عاماً من الشرف والتضحية والوفاء.. واثـق الـخـطـوة يـحـمـي الـوطـن