الصراع وتحوّلاته في سورية

مع اشتداد ضراوة القتال في حلب، فإن المزيج المكون من نظام تحوّل إلى ميليشيا هائلة القوة وطائفة علوية خائفة على بقائها يترك المعارضة السورية – المهددة هي نفسها بالتطرف – حيال مهمة شاقة تتمثل في التعامل مع شياطينها، وتطمين العلويين والتركيز على المؤسسات التي مزقها الصراع.

يعرض أحدث تقارير مجموعة الأزمات الدولية، "الصراع وتحوّلاته في سورية"، للنزعات، التي إذا تُركت دون معالجة، فإنها ستفاقم من حدة الصراع الذي بلغ أصلاً مرحلة متقدمة من التدمير. في محاولة النظام التشبث بالسلطة، فإنه قوّض قدراً كبيراً مما يجعله دولة، لكنه عزز ما يمكن أن يضمن بقاءه ومقاومته ككيان أقرب ما يكون إلى ميليشيا قوية وقادرة على المناورة. أما المعارضة، ورغم تمكنها من نزع الطبقات الخارجية لهيكلية النظام، فإنها أخفقت في كسر نواته الداخلية وتتعرض لتهديدات داخلية، رغم جهودها، تتمثل في الطائفية، والعنف الانتقامي والأصولية. تشعر شريحة واسعة من الأقلية العلوية التي أصبحت أكثر تشابكاً مع ما تبقى من هيكليات السلطة، بأن عليها أن تَقتل كي تحافظ على بقائها، أو أن تُقتل في سياق هذه المحاولة.

يقول بيتر هارلينغ، مدير مشروع سورية، ومصر ولبنان في مجموعة الأزمات، "من غير المرجح أن يغير النظام أساليبه، وبالتالي فإن الأمر متروك للمعارضة في أن تتخذ زمام المبادرة وتحاول صياغة مستقبل البلاد. إنها تركز على تحقيق هدفها المتمثل في إزالة النظام القائم، في حين تمكن النظام من جعل ذلك الهدف مرادفاً لتدمير الطائفة العلوية، والتعايش بين الطوائف وما تبقى من الدولة. على المعارضة أن تميز بين هذه المسائل بالتصدي للتحدي الخطير المتمثل في النزوع نحو التطرف في أوساطها".

لقد أصبح النظام أكثر تمترساً ولم يعد يخشى لا التهديدات ولا العقوبات، وأحرق جميع جسوره الداخلية، وأصبح المتشددون الذين لا يمتلكون قدرة كبيرة على التوصل إلى تسويات يمسكون بزمام الأمور. يبدي النظام قدراً كبيراً من اللامبالاة حيال خسائره وحافظ على بقائه رغم الاغتيالات وقتال الشوارع في دمشق وحلب. إن من شبه المستحيل تدميره، لكنه غير قادر أيضاً على هزيمة أعدائه أو الخروج بحل سياسي ينهي القتال.

في الجهة الأخرى، تطور المجتمع المدني بطريقة ملفتة، فقد خرج بأشكال من التضامن فاجأت السوريين أنفسهم. رغم ذلك، فإن ثمة نزعات مثيرة للقلق. لقد اجتذب استمرار القتال لفترة طويلة أعداداً صغيرة لكن ملفتة من الجهاديين إلى صفوف المعارضة، وغذى الأصولية وأطلق العنان للاغتيالات الطائفية وأعمال القتل الانتقامية.

على هذه الخلفية، فإن الطائفة العلوية تشعر بالخوف، حيث إنها تاريخياً أفرطت في الاستثمار في الدولة، والحزب والأجهزة الأمنية. إذا كانت المعارضة تهدف إلى تدمير النظام دون أن يكون لديها خطة تضمن المستقبل السياسي للعلويين كشركاء حقيقيين، فإن اتساع دائرة الصراع سيكون أمراً محتوماً. وإذا أتيحت الفرصة لهذا السيناريو أن يتطور، فإن الأقليات الأخرى في سورية – الأكراد، والدروز، والمسيحيين، والإسماعيليين – قد يشعرون بأن دورهم قادم. على المعارضة أن تطمئنهم، خصوصاً بتطهير أوساطها ووضع مقترحات متطلعة إلى المستقبل حول قضايا مثل العدالة، والمساءلة، والعفو والمحافظة على بعض مؤسسات البلاد.

يقول روبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات، "بالنسبة لأولئك السوريين الذين تحملوا سبعة عشر شهراً من القمع، والذين قد يجدون صعوبة في كبت غريزة الانتقام لديهم، فإن تلك قد لا تبدو مهمة عادلة وواقعية، لكنها تبقى مهمة ضرورية ولا غنى عنها إذا كان التغيير يستحق الثمن الباهظ الذي يدفعه السوريون".

السابق
“دبكا”: أنباء عن اغتيال الأمير بندر بن سلطان
التالي
حميد: بفضل الشهداء والجرحى منع العدو من تحقيق مكاسبه