ماذا بعد؟

كان مضحكا في زمن البكاء أحد التعليقات المصاحبة لمقطع فيديو يظهر فيه شمعون بيريز مهنئا المسلمين بحلول شهر رمضان المبارك، التعليق يقول «انظر منْ يهنئ المسلمين برمضان، العام المقبل سوف يهنئ المسلمين إبليس شخصيا». لكن هذا التعليق أقل إثارة للضحك من تهنئة بيريز نفسها المليئة بكلمة «سلام» من رجل وكيان تاريخهما حرب.
تتداعى حلقات المشهد السوري في الشاشة العربية الكبيرة ووسط صور النار والدخان يستمر الجمهور العربي مشاهدا مندهشا الحقيقة وهي تهرول مرعوبة ملطخة بالدماء تبحث عمن يقدم لها العناية والمأوى.
وسط دخان البنادق يراقب اللاعبون الكبار مآل الأمور في دولة لا تختلف كثيرا عن محيطها العربي من حيث التركيبة السياسية التي تفتقر الى المشاركة الشعبية الحقيقية، لكنها تختلف عنهم بوضوح بانتمائها لمحور متمرد على إدارة الكبار في العالم.

سيفرح الكبار ومدللتهم إسرائيل بتقاتل شعب صاحب حضارة وهم يسجلون الأهداف منذ عقود لا بل أكثر من ذلك في المرمى العربي المخترق. الحديث عن سورية ودور الجامعة العربية فيها هو التحدث فقط عن رحيل نظام، أما تفاصيل كيف يكون ذلك، وما هو بعد ذلك، فهو خارج الرؤية الاستراتيجية لراسمي السياسات العربية ان كان هناك فعلا منْ يخططون لسياسة عربية متزنة وواعية.
هناك ملفات خطيرة في سورية لا تنتهي بزوال نظام، وهناك ملفات سُتفتح بشكل يفتت الأمن في الكيانات العربية بعدما استبيح الامن العربي من قبل عندما غزا العراق جارته الصغيرة الكويت.
هناك أحاديث تشير إلى مساعي كردية عراقية للتأثير أو الضغط على أكراد سورية للدخول في تحالف لإسقاط النظام المركزي، وهناك تركيز من أكراد سورية أنفسهم للسيطرة على المناطق الكردية السورية وإخراج القوات النظامية السورية منها «بكرامة».
سورية بعد العراق، القادم هو تضارب في الإرادات بين الأكراد وحكومات المركز، اي حكومة قادمة في سورية عليها أن تتعامل مع إقليم كردي مختلف. لا شك أن الاكراد المنتشرين في العراق وتركيا وسورية وإيران لهم مطالباتهم المحقة، لكن فلتان الأمور بهذا الشكل أمام تصفيق العرب وتربص أعدائهم سيجعل المناطق الكردية مناطق غير مستقرة في العراق وسورية وفي الجوار، فسابقا كان من المفترض أن يكون الأكراد في حاضنة الوطن والدين، الآن ما هي حاضنتهم؟ خصوصا مع وجود تراكم من المظالم عبر القرون؟

هناك اثنيات عرقية ودينية ومذهبية كثيرة في سورية، كيف سيتم التعامل معها وخصوصا أن الاثنيات في سورية منقسمة بعد انطلاق شرارة الاقتتال الداخلي بين مشروع سياسي مقاوم أو ضمن محور المقاومة الذي يقف معه النظام ومحور آخر غير واضح المعالم على أقل تقدير، في ذلك جاء تصريح رئيس لجنة الخارجية والأمن التابع للكنيست الاسرائيلي روني بار اون قائلا، «بسبب الوضع في سورية فإنه يوجد تخوف كبير (في إسرائيل) من تسرب أسلحة إلى ايدي حزب الله أو عصابات ارهابية في سورية ولبنان، وليس واضحا ما إذا كانت مجموعات المعارضة في سورية أفضل في هذه الناحية من النظام الحالي»، إذن العين الإسرائيلية مركزة على مخزون أسلحة سورية الكبير والاستراتيجي، والعيون العربية الرسمية لا يبدو أنها ترى أبعد من أرنبة أنفها.

الحلول اصبحت أصعب، ان لم تكن مستحيلة، والهدف اصبح بلا دراسة للمخاطر التي يحملها الصراع الحالي على سورية وعلى الجوار ومنها قضية اللاجئين المستجدة التي ستقض مضاجع العراق والأردن ولبنان وتركيا وممكن ابعد من ذلك، الهدف اصبح اسقاط النظام بدمشق ولو تطلب ذلك استخدام اي مفردة واي ممارسة ممكنة، اسقاط النظام ولو تطلب ذلك تهديد أمن الجوار العربي والمسلم وانكشافه امام المتربصين من المتسلطين. ماذا بعد ذلك؟ عّل قائل يقول بعد سورية يأتي دور كل من ينطق بكلمة لا، سواء كان في لبنان أو في إيران، كأن هذا هو المخطط المرسوم من قبل اللاعبين الكبار.

السؤال التالي، إذا تم القضاء على منْ يقول لا في إيران ولبنان ماذا بعد ذلك؟ هل سيتوقع من أججوا النار في الأرض العربية ان يقوم أبالسة الأرض بالدعاء لإنزال موائد السماء على الاراضي والشعوب العربية مكافأة لها على تحطيم نفسها.
  

السابق
البناء: سليمان: ليتحمّل الأفرقاء مسؤولية عدم المشاركة في الحوار
التالي
أولمبياد لندن انطلقت بـ36 رياضة