الحل السوري خارج مجلس الأمن

لم يفاجئ أحداً نقض موسكو وبكين مشروع قرار مجلس الأمن الأخير. فروسيا والصين تتجنبان إضفاء مشروعية على تدخل خارجي في شؤون دول أخرى مخافة أن يدور الدور عليهما. وعلى خلافهما ترى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية أن واجبها الإنساني يحملها على التدخل إذا انتهجت الحكومات سياسات باطشة إزاء شعوبها. وآن أوان العزوف عن توسل عبارة المجتمع الدولي في مثل هذه الحالة التي يغيب فيها الإجماع.

لن يغير «الفيتو» الأخير مسار الحوادث في سورية. فحكومة دمشق فقدت السيطرة على أجزاء مهمة من البلاد، والمعارضة أثبتت قدرتها على الضرب في قلب دمشق، ويرجح أن يتعاظم القتال. فالمعارضة ترغب في قطف ثمار زخم التفجير الناجح الأخير. ويسعى نظام الأسد إلى إثبات قدرته على إلحاق هزيمة بالمعارضة وجبه التحديات. وليس مدعاة أسف الفشل في تجديد بعثة المراقبين التي يتولاها كوفي أنان. فمشروع السلام الذي حمله أنان ولد ميتاً ولم تكتب له الحياة، والمعارضة لم تكن لتقبل به. لذا، تبرز الحاجة إلى طي هذا المشروع والمباشرة بمشروع آخر يمهد لسقوط النظام السوري. وحريّ بالولايات المتحدة وغيرها من الدول ألا تعتبر أن الأمم المتحدة هي مرادف التعددية القطبية وألا تقصر إضفاء المشروعية السياسية على هذه المنظمة الأممية. وتقتضي الظروف أن تبادر أميركا ودول «الناتو» وعدد من الدول العربية والدول العازمة على تشديد العقوبات على سورية وحلفائها، إلى تشكيل ائتلاف يرص صفوف قوى المعارضة السورية ويرجح كفة وزنها السياسي. وهذه الدول مدعوة إلى التلويح بإدانة المسؤولين السوريين المقربين من بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب، والإعداد لاستهداف ترسانة الأسد الكيماوية، وإعداد العدة لمرحلة ما بعد عهده. ويبدو أن إرساء الاستقرار والديموقراطية في المرحلة الانتقالية عسير، وعثراته قد تفوق عثرات إطاحة النظام.

والحق أن المناقشات تدور حول السياسة المناسبة إزاء الشرق الأوسط، وغالباً ما تنتهي إلى مواجهة بين الواقعيين والمثاليين. فالولايات المتحدة تُدعى وغيرها من الدول من أصحاب المصالح والنفوذ في المنطقة إلى الانحياز إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان، وتجاوز المخاوف إزاء تقويض إطاحة الأنظمة التسلطية الحليفة، في مصر وغيرها من الدول العربية، مصالح الأمن القومي الأميركي. وينتهج القادة الأميركيون والأوروبيون سياسة تدوير الزوايا، وهي مساومة غير ناجعة. وعلى خلاف التنازع هذا، لا تباين في سورية بين المصالح الاستراتيجية والمصالح الإنسانية. فعدد من الحكومات يرغب في إطاحة النظام السوري المقرب من إيران و «حزب الله». والرغبة هذه تتماشى مع رغبة إنسانية في التخلص من نظام قتل أكثر من 15 ألف سوري.
لكن التدخل العسكري التزام كبير يقتضي توسل القوتين الجوية والبرية، في وقت لا تزال فرقتان عسكريتان قويتان، على أقل تقدير، على ولائها للأسد. ويرجح أن تتعثر مرابطة قوات أجنبية في سورية بالصعوبات المترتبة على طائفية المجتمع السوري.

والبديل من تدخل عسكري مباشر هو تزويد المعارضة بالسلاح والعتاد، وهذا البديل قائم والعمل به سارٍ. لكن تسليح المعارضة ليس محمود العواقب إذ يؤجج الحرب الأهلية ويشجع أنصار الرئيس على البقاء في خندقهم. وقد تستخدم الفصائل السورية المعارضة الأسلحة للتقاتل إثر سقوط النظام، وانفلات العنف من عقاله في سورية بعد الأسد.
ولكن لا يجوز جعل تحديد التدخل في سورية مقتصراً على قطبي التدخل العسكري والتدخل السلمي (من غير سلاح). ففي وسع العالم اتخاذ إجراءات كثيرة تساهم في إطاحة نظام الأسد، على غرار فرض عقوبات اقتصادية بالغة القسوة تشمل القطاع المصرفي وقطاع الطاقة وتضاهي تلك المفروضة على إيران، وتوسيع لائحة الممنوعين من السفر إلى العواصم الغربية. ومثل هذه العقوبات يضيّق الخناق على النخبة الموالية للأسد.

أما الدول العربية المستاءة من مآل الأوضاع في سورية فيمكنها تجميد علاقاتها بسورية، وتخفيض مستوى علاقاتها الديبلوماسية والتجارية بروسيا، داعمة الأسد.
ويفترض بالديبلوماسية اليوم أن ترمي إلى تأمين مخرج للأسد وللدائرة الضيقة المقربة منه، والسعي إلى عملية سياسية ترسي نظاماً تمثيلياً ركنه حكم القانون. ودائرة الانشقاق في أوساط المقربين من الأسد تتوسع. فهم يريدون النجاة من السفينة الغارقة، وقد يؤدي تحديد مهلة تنتهي الشهر المقبل قبل إدانة مقربين من الأسد بارتكاب جرائم حرب، إلى تسريع وتيرة الانشقاقات.
وتقديم المعارضة نفسها على أنها البديل عن نظام الأسد وتشريع أبوابها أمام الأطراف الأخرى قد يسرّعان كذلك وتيرة الانشقاقات في صفوف النظام. فالأقلية العلوية تخشى أن تلقى مصير السنّة في عراق ما بعد صدام. والسبيل الأمثل لطمأنتها وحضّها على الانشقاق، هو التزام المعارضة مبادئ وطنية جامعة يرتضيها السوريون كلهم. والقوى الغربية مدعوة إلى التعاون عن كثب مع المعارضة المنقسمة، والطرية العود، المفتقرة الخبرة.  

السابق
صوت المعركة… قادم
التالي
الرئيس مرسي بين أرجل الإسرائيليين في إعلان تلفزيوني