كلام غربي: الإستقرار خط أحمر!

شخصية ديبلوماسية بارزة زارت بيروت مؤخراً، سألت إحدى القيادات السياسية: لماذا كل هذا التوتر والقلق في الشارع السياسي، وبلدكم يعيش حالة من الاستقرار مقبولة، قياساً على ما يجري حولكم، وخاصة في سوريا؟.
الزائر الغربي تعمّد القفز فوق الخلافات التقليدية لفريقي 8 و14 آذار، ليصل إلى «الوصفة السحرية» التي يلتقي حولها، على ما يبدو، الأشقاء والأصدقاء: لا سبيل لمعالجة مشاكلكم إلا بالحوار، والحوار يحتاج إلى وضع أمني هادئ ومستقر. عليكم المحافظة على هذا الاستقرار، رغم هشاشته، والابتعاد عن أي استفزاز أو تصعيد من شأنه أن يصيب الوضع الحالي بالعطب، ويُسهّل عودة العبث الخارجي بأمنكم الداخلي!.
ويبدو أن الديبلوماسي الغربي استرسل في وصف «محاسن» الوضع الحالي، رغم كل المآخذ على تركيبة الحكومة الحالية، على حدّ قوله.
ويمكن اختصار حديث «الإيجابيات» بالنقاط التالية:
 1- رغم حصول بعض الحوادث المتفرقة شمالاً وجنوباً، ما زال الوضع اللبناني تحت السيطرة، وتحاول الأجهزة الأمنية القيام بمهماتها، رغم التشابكات السياسية والحساسيات الطائفية والمذهبية الطافية على السطح هذه الأيام.
 2- العودة إلى طاولة الحوار خطوة مهمة في إطار المحاولة لتخفيف التوتر بين الموالاة والمعارضة، وقواعدهما الشعبية في الشارع، لأن محاصرة الخلافات تساعد على الحفاظ على الاستقرار، ولو في حده الأدنى.
 3- مشكلة لبنان في هذه المرحلة، هو الوضع الحكومي المتأرجح، بسبب التباينات المستمرة بين مكونات الحكومة. ولكني سمعت وعوداً جدية بمعالجة هذا الارتباك في العمل الحكومي، وتهيئة الأجواء المناسبة لمعالجة عدد من الملفات الملحة بالسرعة الممكنة، في إطار انطلاقة حكومية جديدة.
 4- سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة هي موضع تفهم من قبل العواصم الغربية، وإن كان وزير الخارجية يخرج أحياناً عن هذه السياسة. ولكن إمساك رئيس الحكومة بهذا الملف بشكل جيد هو موضوع ارتياح عام، لأن ثمة تخوّفا من محاولات توريط الجانب اللبناني بالصراع الدائر في سوريا، والمرشح للاستمرار والتصعيد فترة أخرى من الوقت.
 5- نجاح رئيس الحكومة في تأمين حصة لبنان من تمويل المحكمة الدولية، أكسبه تقديراً لمصداقيته في تنفيذ الالتزامات التي تعهّد بها منذ الأسابيع الأولى لتشكيل حكومته.
 6- القيادة العسكرية والجيش اللبناني يجب أن يبقيا بعيدين عن التجاذبات السياسية، والبلد بحاجة ملحة إلى جيش وطني يتمتع بثقة وتأييد كل الأطراف السياسية، حتى يستطيع القيام بمهامه في الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلد.

يبدو أن كلام الديبلوماسي الغربي لم يكن مجرّد أمنيات، بقدر ما كان أشبه بمفعول «خاتم سليمان»، حيث فجأة طويت صفحة الخلافات الحكومية، واستعادت الحكومة الميقاتية نشاطها، وذُللت العقبات التي كانت تعطل المشاريع الحيوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
إقرار الموازنة في مجلس الوزراء، تسريع اتفاقات استجرار الطاقة بواسطة البواخر التركية، الإفراج عن جداول مقبوضات المياومين، فتح ملفات التعيينات على طاولة مجلس الوزراء بدءاً من جلسته المقبلة التحضير لإعلان تشكيل الهيئة الناظمة للنفط والغاز، انتشار الجيش في المناطق الحدودية شمالاً، وتصحيح معالجة ذيول اغتيال الشيخين عبدالواحد ومرعب… وطبعاً لا ننسى مسألة تسهيل قوننة الإنفاق المالي للحكومة بالتنسيق والتعاون مع المعارضة… إلى جانب الترحيب الذي لقيه كل من الرئيس ميشال سليمان في فرنسا، والرئيس نجيب ميقاتي في المانيا، والإشادات التي كالها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز للحكومة، بعد مبادرة رئيسها في تحويل حصة لبنان الى المحكمة الدولية، واعتماد سياسة النأي بالنفس من الأزمة السورية.
هل يعني كل ذلك أننا أمام مرحلة سياسية أكثر هدوءاً في لبنان؟.
لا أحد يستطيع أن يراهن على الهدوء في بلد يبقى الوضع السياسي فيه أشبه بالرمال المتحركة، وتتقاطع على أرضه كل الخطوط الإقليمية والدولية المتنافسة.
ولكن بقاء الوضع الأمني تحت السيطرة، بعد أكثر من خمسة عشر شهراً على اندلاع الانتفاضة السورية، ورغم ظاهرة قطع الشوارع وحرق الدواليب، وانتشار «ثقافة» الاعتصامات، فهذا يعني أن جميع اللاعبين المحليين يلتزمون بالخطوط الحمر الخارجية التي تحظر اللعب بنار الأمن والاستقرار في البلد.

ثمة عدّة شواهد على التزام كل الأطراف السياسية بمتطلبات هذا الاستقرار الهش، لعل أبرزها ثلاثة:
1 – إجراء انتخابات الكورة أمس، في أجواء تنافسية حادّة، ولكن من دون حصول ضربة كف، رغم قدرات الطرفين المتسابقين التنظيمية.
2 – تحويل حصة لبنان إلى المحكمة الدولية من دون إثارة أية ردود فعل من جانب المعترضين على المحكمة، وخاصة «حزب الله»، الذي التزم مع حلفائه الصمت الكامل.
3 – ترك مسألة معالجة اعتصام الشيخ أحمد الأسير على مدخل صيدا، إلى فاعليات المدينة وقياداتها السياسية والروحية، التي رفضت الاعتصام، واتخذت موقفاً معارضاً له منذ اليوم الأوّل لحصوله، الأمر الذي عزل الاعتصام عن المدينة، وأبقاه في دائرته المحيطة بالشيخ الأسير وحركته.

لا نريد أن نذهب بعيداً في رهاننا على استمرار التهدئة الحالية، ولكن من حق اللبنانيين على قياداتهم السياسية والحزبية، أن يصارحونهم بمتطلبات هذه المرحلة الدقيقة، بعيداً عن اساليب التوتير والمزايدات والاستفزازات الهادفة إلى شدّ العصب، والتلاعب بمشاعر النّاس الطيبين، علّهم بذلك يشيعون أجواءً من الاطمئنان تغلب مناخات القلق والخوف التي حوّلت حياة اللبنانيين في السنوات الأخيرة الى جحيم لا يُطاق
هل كُتب على النّاس الصابرين أن ينظروا إلى نصف الكوب الفارغ فقط، ويسترسلوا في جلد أنفسهم، والتورط في خلافات داخلية لا تسمن ولا تُغني من جوع…؟.  

السابق
كلينتون..الزيارة المشبوهة!
التالي
شورت دولته ومايّوه جاره