عائلات تنهش الدولة

الاشتباكات التي شهدها شارع آل المقداد في المشرفية أمس بين عدد من آل غصين وآخرين من آل كركي مرشّحة لتتجدد، رغم تدخل حزب الله السريع الذي حدّ من سقوط ضحايا، بعدما ادت الاشتباكات الى سقوط اربعة جرحى.
تدخّل حزب الله أمّن الارضية لدخول الجيش، فتمركزت ملالتان في حيين ضيقين بين شارع المقداد وشارع آل الكركي. ليست هذه الاشتباكات التي تأخذ طابعا عائليا هي الاولى في هذا المحيط، فقد وقعت خلال السنوات الماضية اكثر من حادثة تداخلت فيها النزاعات العائلية والحزبية. وما ليس خافيا على أحد أنّ العديد من العائلات تتبادل مع القوى الحزبية سبل الحماية والاستقواء. فحينا تتلحّف العائلات الغطاء الحزبي وأحيانا تستقوي الاحزاب بالعصبية العائلية عند الحاجة.
وفي هذه المنطقة التي شهدت مواجهات اكثر من مرة كما اشرنا، كان الأبرز ما وقع بين افراد من آل الخنسا ومن آل المقداد وادى في حينها الى سقوط قتلى. لكن ما جرى في الامس، وان كان لا يتصل مباشرة بهذه الحوادث، إلا أنّ استخدام السلاح يعبر عن استقواء بالعصبيات العائلية خصوصًا أنّ الافراد من آل غصين لهم قرابة مباشرة بآل الخنسا وآل المقداد في نفس الوقت.

في وقت يترقب المواطنون المقيمون في محيط المشرفية الجولة الثانية من الاشتباكات في الساعات المقبلة. فغالبا ما يحظى مسببوا مثل هذه الحوادث بحماية ما، إما حزبية او عائلية أو حتى من قبل بعض الاجهزة الامنية الرسمية.
ليست هذه التوترات جديدة لكنها في الآونة الاخيرة بدت متزايدة، كما حصل في منطقة الرويس من اشتباكات استمرت لساعات وأدت الى وقوع اضرار ببعض السيارات، وغيرها مما شهدته مناطق محيطة بحي السلم ودائما لا خلفيات سياسية بل نزاعات عائلية او مواجهات بين بعض العصابات التي تعمد الى فرض الخوات، وبين حزب الله، او بين هذه العصابات بعضها ببعض. تلك التي تتنافس على الامساك والسيطرة على بعض الاحياء او على بعض المؤسسات التجارية تحت عنوان "الحماية" كمدخل لفرض الخوات. والى هذه المظاهر التي تعكس تزايد مظاهر الفوضى، يشكل غياب المرجعية الامنية عن مناطق الضاحية أحد المنافذ التي يعمد بعض الخارجين على القانون الى الاستفادة منها لتأمين حماية خاصة. ولا يخفى أنّ بعض هؤلاء يحسن اللعب على حبلي حزب الله والاجهزة الامنية، وهم يؤمنون خدمات للطرفين كلّ حسب حاجته ومتحصنين بثنائية المرجعية.

لم يعد واضحا الفرق بين الحكومة وحزب الله، أو بينه وبين الدولة بمؤسساتها كلها. إذ لم يسبق في تاريخ لبنان الحديث ان اتيح لطرف سياسي هذا الحجم من التمثيل والنفوذ في الدولة ومؤسساتها الدستورية والقانونية والامنية وفي المجالس البلدية بالاضافة الى القوة الامنية – العسكرية الخاصة. وهذا يتاح اليوم لحزب الله.
رغم ذلك لا يأمن حزب الله لهذه الدولة على سلاحه ولا يستطيع الثقة بها كما عبر قبل أيام النائب محمد رعد: فهل لدى حزب الله مشكلة حيال الثقة بالدولة أم بأصل وجود الدولة؟ وباعتبار ان ما ناله محازبوه ومناصروه وحلفاؤه من نفوذ لم يتحقق لغيره، فلماذا لا يزال متوجسًا من هذه الدولة؟

الضاحية ليست الاستثناء، ثمة نموذج يحتذى في غير منطقة من لبنان، الشمال بدأ يتشكل على هذا الاساس، وبروز مجموعات مسلحة قائمة على عصبيات عائلية او سياسية يتناسل من وسطه الى حدوده، والبقاع الفالت من عقال الامن بات مسرحًا لعصابات تستثمر ازماته المزمنة بالخطف والسلب وتتحصن بعصبياتها ايضا. عدوى ثنائية المرجعية الامنية(الدولة-الحزب) لم تعد حكرا على الضاحية انه نموذج يكتسح مناطق لبنان.
الثابت أنّ عدم حسم مرجعية الدولة والتسليم بمقتضياتها السلبية والايجابية هو الكفيل بتصديع بنيتها السياسية وشرذمة المجتمع ، وهو المناخ الملائم للاهتراء الاجتماعي والاقتصادي والانهيار الاخلاقي والقيّمي. ذلك ان احدا لم يثبت وجود ما هو مقدس في الحياة الوطنية اللبنانية أكثر من الدولة. أما عدالتها وقدرتها فأمران يتحققان بالكامل بعد التسليم بأنها فوقنا جميعًا… ولو ظلمت.
 

السابق
الساحلي يدعو الى انهاء ملف الموقوفين الإسلاميين
التالي
الأنوار: تحذير عربي الى بيروت من مخطط لاحداث فتنة بين الجيش والمخيمات