أسئلة عن فتنة يقتضي تفاديها؟

ثمة أسئلة لها أجوبة، وأسئلة لا جواب عنها… حتى الآن. موضوع الاسئلة واحد احد: الفتنة (وربما الحرب) التي طال إعدادها يقتضي تفادي تفجيرها.ثمة سؤال عام: متى ساعة الصفر؟ غير ان اسئلة اخرى تفصيلية تستحق الطرح ايضا:

مَن قام باختطاف احد عشر لبنانياً في ريف حلب، على مقربة من الحدود التركية، وقبل ساعـات مـن عيد التحرير والمقاومة في لبنان المصادف يوم 25 ايار/مايو؟ من يقف وراء الخاطفين؟ هل جرى نقلهم الى تركيا ام تحفّظ عليهم الخاطفون داخل سورية؟ لماذا ابلغ وزير خارجية تركيا نظيره اللبناني ان المخطوفين بخير وسيصار الى اطلاقهم في تركيا؟ ما علاقة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالحادثة، ولماذا اتصل برئيس مجلس النواب نبيه بري وأكد له ان طائرته الخاصة توجهت الى مطار اضنه التركي لإحضار المخطوفين؟ لماذا نفى وزير الخارجية التركي وجود المخطوفين على الاراضي التركية، بعد ان كان أبلغ رئيسَ حكومة لبنان نجيب ميقاتي ترحيبه باستقباله في تركيا لشكرها على ما قامت به من جهود لإطلاق المخطوفين؟ لماذا اعلن الحريري سحب يده من المسألة برمتها؟ لماذا أكد سفير تركيا في لبنان للمسؤولين اللبنانيين ان المخطوفين بخير ما دام رؤساؤه أكدوا انهم لم يدخلوا الاراضي التركية؟
كل هذه الاسئلة لا اجوبة معلنة عنها، و اذا كان لدى المسؤولين اللبنانيين والاتراك اجوبة بشأنها، فما الحكمة من ابقائها طي الكتمان؟

طائفة اخرى من الاسئلة تطرح نفسها ايضا: هل صحيح ان الخاطفين طلبوا عبر وسطاء عرب وأجانب التدخل لدى دمشق لإطلاق مجموعة من الضباط الاتراك كانت اعتقلتهم عندما وضعت يدها على حي بابا عمرو في حمص؟ لماذا جرى الترويج بأن احد المخطوفين يمتّ بصلة قربى للسيد حسن نصرالله وانه مسؤول في المقاومة اللبنانية؟ اين المخطوفون الآن؟ لماذا لا يصار الى الإفراج عنهم؟
الاسئلة سالفة الذكر لا جواب عنها… حتى الآن. وهي اسئلة تتعلق بعملية الاختطاف بما هي مسألة لبنانية بالدرجة الاولى.ماذا عن سورية التي لا يمكن فصل ما يجري فيها عما يجري او يراد له ان يجري في لبنان؟

هل صحيح ان توقيت عملية الخطف جرى قبل ساعات من خطبة السيد نصرالله في عيد المقاومة والتحرير وذلك لإستثارة ردة فعل عنيفة لدى الجمهور الشيعي ضده؟ هل مطالبة الخاطفين السيد نصرالله بالاعتذار عن خطبته محاولة لإحراجه امام اهل المخطوفين؟ هل المقصود استثارة الجمهور الشيعي لدفعه الى الانتقام من السوريين الموجودين في لبنان وللاقتصاص من الجماعات السنيّة اللبنانية التي تناصر المعارضة السورية المسلحة؟ هل عملية الاختطاف في ريف حلب ثم المجزرة الوحشية التي اعقبتها بساعات في منطقة الحولة في ريف حمص تدخل في اطار مخطط اكبر يتضمن عمليات اخرى للنيل من نظام الرئيس الاسد، محلياً وعربياً ودولياً؟ هل طرد سفراء سورية من دول اوروبا واميركا واستراليا يدخل ايضا في هذا الإطار؟ هل العودة الى تفجير الوضع في طرابلس غايتها نسف طاولة الحوار الوطني قبل انعقادها في 11 حزيران؟ اذا كان الامر كذلك، فماذا يمكن ان تكون الخطوة او الخطوات التالية لأصحاب هذا المخطط؟

لا اجوبة جاهزة عن هذه الأسئلة.لكن يمكن استقراء بعض الاجوبة، بكثير من التحفظ، في ضوء بعض التطورات اللافتة.
احد الأجوبة الممكنة يتصل بما نقلته وسائل الإعلام عن لسان الرئيس نبيه بري شخصياً حول امتلاكه معلومات عن ان تنظيم «القاعدة» يخطط لاغتياله، وان اسماء المكلفين به في متناول يديه، وان التفاصيل كشفتها اجهزة استخبارات غربية اكدت وجود هذا الهدف (اغتيال بري) لدى «القاعدة» اضافةً الى اهداف كبيرة اخرى.

قبل كشف بري مخطط «القاعدة»، كانت تسربت معلومات، قيل ان مصدرها سفراء اميركيون سابقون خدموا في المنطقة ويعارضون سياسات ومواقف اللوبي اليهودي «ايباك»، مفادها ان ثمة مخططاً يرمي الى تنفيذ سلسلة اغتيالات تستهدف شخصيات مسيحية وسنيّة من الصف الثاني في قوى «14 آذار»، الغرض منها استثارة المسيحيين واهل السنّة وتعبئتهم ضد قوى 8 آذار، وذلك بقصد التأثير في الإنتخابات المقبلة لتأمين اكثرية ثلثي مقاعد مجلس النواب لقوى «14 آذار» بغية تمكينها من انتخاب شخصية مضمونة وموثوقة من صفوفها لرئاسة الجمهورية ومواجهة حزب الله وتجريده من السلاح.

إن كشف هذه المخططات ونسبتها الى اجهزة استخبارية غربية او مصادر سياسية أميركية يطرح فوراً سؤالين: هل تنظيم «القاعدة» فعلاً وراءها، وما اغراضه المباشرة في لبنان وسورية؟ وكيف يمكن تفسير حرص واشنطن على محاربة «القاعدة» من جهة وقيامها، مباشرةً او مداورةً، بتمويل وتسليح قوى ومجموعات مناهضة لحلفاء سورية كما لخصومهم في لبنان من جهة اخرى؟

يستذكر مراقبون نداء كان اطلقه قائد «القاعدة» الشيخ ايمن الظواهري ضد نظام الرئيس الاسد، كما رسالة «سرية» كان وجهها الى انصاره تدعوهم الى تكثيف نشاطهم في بلاد الشام والسيطرة على مفاصل جغرافية مؤاتية في لبنان، وانه بصدد تعيين اميرٍ لبلاد الشام يتخذ من لبنان مقراً له.

نشاط «القاعدة» ضد نظام الرئيس الاسد لا يتعارض مع سياسة واشنطن التي تشاطره هذا العداء.اما لجهة تزويدها المجموعات المسلحة بالمال والسلاح فقد برره المسؤولون الاميركيون بقولهم إن تدابير جرى اتخاذها لضمان عدم وقوع الاسلحة في ايدي عناصر ارهابية موالية لـِ «القاعدة».

هل تقتصر الغايات المتوخاة من المخططات سالفة الذكر على إضعاف نظام الرئيس الأسد وتأمين اكثرية برلمانية موالية للغرب في لبنان، ام انها تشكّل سيناريو ممهداً لسيناريو آخر أوسع مدى وأشد خطورة؟

من المعلوم ان «اسرائيل» تضغط على الولايات المتحدة من اجل ضرب ايران لتعطيل قدراتها النووية، وهي تتخوف من ان تتوصل ادارة اوباما الى تسوية معها قبل انتخابات الرئاسة الأميركية مطلعَ نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لا تلائم مصالحها الأمنية.فهل تنتهز حكومة نتنياهو حرب الاستنزاف التي تعانيها سورية حالياً لتسديد ضربة دراماتيكية مدمرة لها؟

لوحظ ان نتنياهو شجب مجزرة حولة الاخيرة، وأكد ان «ايران وحزب الله جزء لا يتجزأ من اعمال القتل التي يقترفها النظام السوري، وان على العالم ان يعمل ضدهما بكل ما اوتي من قوة».

فوق ذلك، اكد نتنياهو، بحسب صحيفة «يديعوت احرونوت» (28/5/2012) في سياق لقاء مع مسؤولين كبار في المؤسستين الامنية والاقتصادية انه «فــي حــال تبيّن لـِ «اسرائيل» ان الجهود الدولية (لكبح برنامج ايران النووي) لم تسفر عن اي نتيجة، فلن يكون امامها خيار سوى ان تعمل بمفردها دفاعاً عن الشعب اليهودي»….

اين يمكن ان تعمل «اسرائيل» بمفردها؟
يُخشى ان تنتهز «اسرائيل» إنشغال سورية بنفسها وبأعدائها لمحاولة ضرب قدراتها الصاروخية، المتقدمة نوعاً وكمّاً، بدعوى تفادي

خطورة انتقالها الى حوزة حزب الله.
محللون استراتيجيون كثر يستبعدون هذا الاحتمال.ذلك ان رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني كان حذّر قبل ايام من مغبة اي تدخل غربي في سورية لأن ايران «ستشعل النار من تحت اقدام الشرق الاوسط كله بما في ذلك «اسرائيل»».
ترى، هل يتحمّل ايٌّ من اطراف الصراع الإقليمي والدولي حرباً شاملة، مدمرة ومكلفة في زمنِ أزمةٍ اقتصاديةٍ تضرب العالم بمعظمه؟

السابق
جبل محسن: هل قلت طابوراً خامساً؟
التالي
المذبحة كهواية