جبل محسن: هل قلت طابوراً خامساً؟

هناك طابور خامس». ربما هي العبارة الأكثر شهرة في لبنان، يوم أمس، أدلى بها مسؤول أمني، معني بمنطقة الشمال، في معرض تعليقه على الأحداث التي شهدتها مدينة طرابلس خلال اليومين الماضيين. بالتأكيد، الجنرال الاسباني اميليو مولا، لم يكن ليعلم، بعد أكثر من 7 عقود على إطلاقه هذه العبارة، أن «طابوره» سيستوطن لبنان إلى الأبد. المعنيون في جبل محسن لا ينكرون إمكان وجود هذا الطابور، لكنهم، من جهة أخرى، يعتبون على الأجهزة «التي تعلم بوجود طوابير أخرى، غير غامضة بتاتاً، تنشط بالسلاح علناً في باب التبانة، ومع ذلك لا أحد يضع لها حداً».

المسؤول في الحزب العربي الديموقراطي، عبد اللطيف صالح، يروي، من جانب جبل محسن، الأحداث والمعارك «التي كانت هذه المرّة ضارية فعلاً». يقول صالح إن الأمر بدأ يوم الجمعة الماضي، حيث «مهّدت خطب الجمعة للهجوم على الجبل، إذ دعي للجهاد ضدنا من داخل المساجد، وتحديداً من مسجدي التقوى والرحمن». عموماً، لم تكن جبهة جبل محسن ـــ التبانة قد هدأت تماماً، بعد الاشتباكات التي وقعت منتصف الشهر الماضي، إذ ظلت قذائف «الإنيرغا» تسقط هنا وهناك من حين لآخر. لكن، عند منتصف ليل الجمعة الماضي، بحسب صالح، «انهالت على الجبل القذائف الصاروخية وزخّات الرصاص، من دون أي سبب معلن، ومن دون رد واضح من قبلنا، باستثناء مرّات قليلة لردع المعتدين». في اليوم التالي، تحولت المنطقة إلى «ساحة حرب حقيقية، وحتى عندما كان رفعت عيد يعقد مؤتمره الصحافي، كانت القذائف تنهال علينا». ثمّة عبارة أوردها عيد في مؤتمره، كانت بمثابة «التحذير» من تطوّر الأمور، إذ قال: «اللهم اشهد اني قد بلّغت». فهم البعض من هذه العبارة أن الجبل هذه المرّة لن يبقى مكتوف الأيدي، وخاصة بعدما انسحبت فرق الجيش الفاصلة بينه وبين التبانة. «جاء الليل ثقيلاً علينا، إذ فتحت كل الجبهات، وكانت أكثرها حدّة في أحياء المنكوبين والبقار». يلفت صالح إلى أن «الطرف الآخر كسر قواعد اللعبة هذه المرّة، ففي تطور خطير، حاولت مجموعة من السلفيين المسلحين، الذين سمعنا بعضهم يتكلمون بلهجة سورية، اقتحام الجبل من جهة المنكوبين، ولكن تصدينا لهم بكل قوّة، ما أدّى إلى تكبيدهم خسائر فادحة». بعد هذه الحادثة «نزل إلى الشارع كل فتى لديه قدرة على حمل السلاح للدفاع عن النفس، وبقينا على هذه الحال حتى الصباح». إذاً، هناك تطور نوعي في طبيعة الاشتباكات التي تشهدها هذه المنطقة، إضافة إلى تطور آخر في نوعية الأسلحة. فالمعارك التي حصلت قبل 4 أعوام، وسائر المعارك بعدها، لم تستخدم فيها قذائف «الهاون» القوسية، فيما استخدمت هذه المرّة على نحو لافت. هذا ما يؤكّده أكثر من طرف، من داخل الجبل وخارجه، إضافة إلى مسؤولين أمنيين. هذه القذائف هي من عيار 82 ملم، وهي، في حال سقوط إحداها على منزل مأهول يمكن أن تودي بحياة كل من فيه. أكثر من ذلك، يضيف المسؤول الحزبي في الجبل إن «بندقية القنص دراغانوف لم تعد تكفي الطرف الآخر، إذ استعملوا هذه المرّة قناصات حديثة، وأخطر ما فيها أنها مزوّدة بمناظير ليلية باهظة الثمن». كل الأسلحة التقليدية، تقريباً، استعملت في الاشتباكات خلال اليومين الماضيين، باستثناء المدفعية الثقيلة. المتابعون تحدثوا عن استعمال أسلحة رشاشة من عيار 12.7 ملم، وأحياناً المدفع الرشاش عيار 14.5 ملم. استعملت أيضاً القنابل المضيئة، وهذه من الأسلحة التي لم تستعمل سابقاً. طبعاً، القنابل اليدوية وقذائف الـ«آر بي جي» لا داعي لذكر كمياتها الهائلة المستعملة، فهذه من الأسلحة التي بات استعمالها «روتينياً» هناك.
أدّت الاشتباكات إلى سقوط 3 قتلى من جبل محسن، أحدهم مقاتل واثنان مدنيان، وهم: حيدر دندشلي وهيثم عبد اللطيف ومحسن ضاحك. طبعاً لم يخل الأمر من جرحى قارب عددهم العشرة، كانوا ينقلون إلى زغرتا لتلقي العلاج، نتيجة «الحصار المفروض على الجبل».

اللافت أن كل الاجتماعات التي عقدت في طرابلس لتهدئة الوضع، في ظل اندلاع الاشتباكات، ومنها اجتماع الشخصيات السياسية في دارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولاحقاً اجتماع وزير الداخلية مروان شربل بعدد من شيوخ المدينة، كان «الحزب العربي الديموقراطي» غائباً عنها. كان يحضر الطرف المعني من جهة التبانة، فيما لا يستدعى أي ممثل عن جبل محسن. في هذا الإطار، لفت عضو المكتب السياسي في الحزب، علي فضة، إلى عدم تلقي الجبل أي دعوة في هذا الخصوص، ولكن «كانوا جميعهم يجرون الاتصالات معنا، إذ للأسف، ربما يخجل البعض من التواصل معنا أو دعوتنا خوفاً من خسارة شعبية ما، ولكن بكل الأحوال نحن موقفنا واضح ولا نستجدي أي دعوة من أحد، وتبقى يدنا ممدونا للجميع لما فيه مصلحة المدينة وكل لبنان».  

السابق
ندوة عن العنف الأسري ضد المرأة
التالي
أسئلة عن فتنة يقتضي تفاديها؟