الجنرال يتصدّى عبر المياومين

يسطع نجم رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون كلما هدد بإستقالة وزرائه من الحكومة.. هكذا يعتقد جنرال الرابية. ويبدو أن الإستقالة بالنسبة إليه وجهة نظر أو مجرد فكرة غير قابلة للتطبيق! إذا هي ليست قرارا أو خطوة في إطار الموقف الحازم والصارم.. بل تندرج ضمن سياسة "التستير" العوني التي لا يفهمها سوى العمّ والصهر.. هكذا وبالتهديد يغطي الجنرال فشل تياره في إدارة الملفات الحكومية!
ففي كل مرة تتعثر صفقة مع الجنرال يلوّح على أثرها بالإستقالة "كلامياً".. لماذا؟ لأن "الحكي له والفعل لغيره". بالأمس أتى التهديد بالإستقالة على خلفية تحرك المياومين في شركة كهرباء لبنان بعدما طرح صهره وزير الطاقة جبران باسيل حلاً لمعالجة ملفّهم ولم يرضوا به، لعلمهم بالمصالح الشخصية التي سيستفيد منها الوزير. ولا بدّ أن الأخير سيلجأ أخيراً إلى حجة الخلل الطائفي في حال أصر المياومون على تثبيت أكثر من 700 منهم.

لكن السؤال المطروح هو: الى من يوجّه الجنرال تهديده؟ إن كان يوجهه إلى المواطنين اللبنانيين، فهؤلاء لمسوا سوء خدمات الوزارات التي يديرها وزراء "التيار"، وإن كان الجنرال يوجه تهديده الى الحكومة مجتمعة، فالحكومة أصلاً "حاضرة غائبة" عن كل المشاكل التي بلغت الحضيض على الساحة الحياتية. أما إذا كان يهدد حلفاءه، ففي هذه الخطوة استهداف لحزب السلاح بالكلام والتهديد الفارغ من أي رصاص.. من هنا، ونظراً الى أن كفة الميزان ترجح نحو ثقل "رعد" و"وعد" فيكون بذلك تهديد الجنرال كلام بكلام وتكون "انفختت الطبلة وتفرقوا العشاق!"
في محصلة التهديدات إذاً، ثرثرة عن استقالة وتهديد مقاومين مقابل تسوية للمياومين. عوضاً عن أن يقف باسيل مع عمّه وتيارهما المُصلح الى جانب كبار المقاومين و"أشرف الناس" في السراء والضراء.. إلا أن ملف التعيينات أعمى منطق عون، وجعله يسير معصوب العينين رافعا تهديداته وربما "إصبعه" في وجه حلفائه. وهو لطالما هدد وأشهر تهديد أطلقه استهدف حافظ الأسد حين قال "بدّي كسّر راس حافظ الأسد"، لكن الرجل مات وتحوّل عون الى جندي في جيش الأسد حيث أن أولويات الجنرال تتجه نحو سوريا فيما أولويات حليفه المسلّح تتجه نحو إيران.

يعتقد ميشال عون أن التهديد هو مفتاح الحل.. كما يعتقد باسيل أن التهديد بقطع الكهرباء هو الحل لمسألة المياومين. وقد اتضح من المرات الكثيرة التي هدد فيها الجنرال بالإستقالة، أن الأخيرة ليست لتسجيل موقف شهامة، حيث أن القرار إقليمي والمهدِّد ليس في موقع القرار الحرّ وإن كان تياره يحتكر لقب "الحرّ"! فالجنرال يهدد ولم يجرؤ يوما على سحب وزرائه، لكسب أصوات إنتخابية لإعتقاده أن الشعب سيشهد على حرصه على مصالحهم.. لكن اللبنانيين ليسوا شهود زور.
وإن سلّمنا جدلاً بأن الجنرال خرج مُرغماً أو مُحرجاً وسحب وزراءه من الحكومة، ماذا سيكون السيناريو الجديد؟ لن يتمكن عندها النائب عون من توظيف "جماعته" في ملاك الإدارات الرسمية لتعويض شعبيته، ولن يتمكن من عقد الصفقات المشبوهة، ولن يتمكن من الإستفادة من المحسوبيات، ولن يقدر على تعطيل التعيينات والإعتراض على الإنفاق، ولن يستطيع أبدا أن يستغل الإدارات العامة في المعركة الإنتخابية المقبلة.
الضجة السياسية "الصبيانية" إذا هي الهدف الذي يريده الجنرال من التهديد بالإستقالة. ويريد بذلك أن يلفت النظر إليه وأن يزرع شعورا لدى المواطنين بأنه حريص على مصلحة البلد.. وبما أن الجنرال اليوم يوجّه سهامه على المياومين ومن خلفهم حلفاءه المقاومين، سيلجأ أخيرا الى سياسة المقامرين بمصير لبنان ليجد نفسه مع تياره في مواجهة كل الأفرقاء محروما من أي دعم.. والأربعاء لناظره قريب!

يقرأ مستشار رئيس حزب "القوات اللبنانية" العميد المتقاعد وهبة قاطيشا تصرفات النائب ميشال عون التهديدية في الإطار الإقليمي. ويشرح "القرار بالإستقالة إقليمي ويأتي من فوق، لذا يمكن لعون أن يهدد من دون أن ينفذ". ويلفت الى أن "طبيعة العماد عون أن يعظم المواضيع لكن ما بيطلع منّو شي". وإذا استعرضنا سيرته السياسية منذ ربع قرن حتى اليوم، نجد أنها ترتكز على التهديد.. فهو يريد أن يهبّط أميركا والكرة الأرضية لكن بالكاد يستطيع بناء حجر أو اثنين.. هذه طبيعته".
أما في مسألة المياومين فيرى قاطيشا أن عون "يستخدم التهديد للاستفادة من أمور أخرى وتمرير مشروع وزير الكهربا. وعلى الأقل سيسعى الى توظيف البعض من المياومين من جماعته من أجل إقامة التوازن.. وستكون لعبة وزير الطاقة قبل الإنتخابات النيابية وكل ذلك على حساب الدولة وتهبيطها". ويسأل "إن كان عون يهدد حلفاءه، فهل هؤلاء الحلفاء ما زالوا "قابضينو"؟"، ويجيب "يمكن أنهم يتحملونه اليوم، لكن عدا ذلك فالتحالف بينهم ليس عضويا بقدر ما هو مستند الى مصلحة، لذا تراه يهتز في كل ساعة!" ويختم قاطيشا "الوضع الإقليمي هو من يجمّد التحالف، حيث ارتباط عون إقليميا لا يشبه ارتباط حزب الله. فالأخير مرتبط أولا بإيران وثانيا بسوريا أما عون فارتباطه أولا بسوريا وثانيا بإيران. وهنا تختلف الأفضليات لدى الفريقين".

من جهته، يصف عضو المكتب السياسي لـ"تيار المستقبل" مصطفى علوش سياسة النائب ميشال عون بـ"سياسة النكايات وردود الفعل الصبيانية." ويقول "كلنا يعلم أن عون يعتبر أن التحالف الحكومي القائم لا يمكن أن يستمر من دونه، فيحاول ابتزاز الجميع بهذه المواقف التي لا طعم لها ولا لون".
ويضيف "نحن نعلم أن تهديداته كلها حركات لا تجدي نفعا، وعون نفسه يدرك أنه لن يحصل على فرصة أخرى في أي حكومة مشابهة للحصة التي حصل عليها في الحكومة الحالية". ويختم "لذا كل ما يقوم به الجنرال يندرج في إطار الممارسات الصبيانية فقط لا غير. ولعبته باتت مكشوفة، فحتى مناصروه باتوا يعرفون أنها ألاعيب ركيكة وهي عمليا أصبحت مكررة لدرجة الإبتذال على مدى السبع سنوات الماضية".
  

السابق
دعماً للجيش
التالي
وهبي: لحماية الجيش اللبناني