الطالب.. والمطالب

على مدى سبعة أسابيع، كان ملحق "شباب السفير" يجول في فروع الجامعة اللبنانية في المناطق، محاولا تقديم صورة عامة عن الجامعة الحاضنة لأكثر من 70 ألف طالب، برغم عدم شمول التحقيقات جميع الكليات في جميع المناطق، بسبب وجود بعض الكليات اليتيمة في البقاع أو عاليه أو الشوف وغيرها.
المطالب والاحتجاجات والشكاوى تكاد تكون الأمر الوحيد المشترك بين طلاب الفروع في المناطق، والذين لا يحلمون إلا بمكان يليق بأن يسمّى جامعة. فعدا المباني الحديثة في مدينة رفيق الحريري الجامعية (مجمّع الحدث) يمكن مباني الكليات من طرابلس إلى النبطية مرورا بصيدا والفرع الثاني، أن تروي بنفسها معاناة الطلاب، هذا عدا عن عدم الوضوح في أسباب توزيع الكليات في المناطق وطريقته، فتارة يكون خيار الطالب إدارة الأعمال مثلا وطورا يكون الالتحاق بكلية العلوم، لا لأن دراسة علمية ما تربط بين سوق العمل وبين الاختصاصات والحاجة إليها، وليس محبة بهذا الاختصاص أو ذاك، بل لمجرد توفّره في المنطقة التي يعيش فيها الطالب العاجز عن الانتقال من مكان إلى آخر، مع ما يعنيه ذلك من تحمّل تكاليف السكن والتنقل وغيره.

قبل بداية العام الجامعي الحالي، وخلال إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية، كان الطلاب يعتصمون، أو ربما يحاولون الاعتصام، من اجل المطالبة بحقوقهم هم أيضًا، لتكون استكمالا لمطالب الأساتذة. إلا أنه ومع اقتراب العام الجامعي من نهايته، لا يبدو أن الوضع قد تغير، ولا هو في طور التغير، قياسا إلى تجربة السنوات الطويلة الماضية.
لكن إهمال الدولة وإداراتها للجامعة الوطنية لا يبرر للطلاب صمتهم، في أفضل تعبير. أكثر من 70 ألف طالب تجمع بينهم مساحة واسعة من المطالب المشتركة المرتبطة بمصيرهم ومستقبلهم في هذا البلد، أو حتى خارجه، لكن معظمهم يختار تغليب المساحات الطائفية والحزبية (الطائفية بدورها) على مساحة اللقاء والنضال الطالبي، وآخرون ينسحبون بكامل إرادتهم، فيخلون الساحة للعصبيات والمصالح الضيقة، خصوصًا أن طلاب الجامعة لا يتمتعون بممثلين عنهم منذ نحو 4 أعوام. وفيما تدعو الأحزاب والتيارات إلى عودة الحياة السياسية إلى الجامعة، ترى الجامعة تتفكك أكثر فأكثر، من دون نسيان مساهمة هذه الأحزاب والتيارات نفسها في أسباب التفكك والتراجع، وهي نفسها القوى التي تحتل مواقع الإدارة والسلطة في الدولة، وان اختلفت التسميات بين حكومة وأخرى، أو عهد وآخر.

والدولة التي تدّعي عجزها عن تلبية مطالب المواطنين المعيشية والحياتية، وتتذرع ببرودة العلاقات الداخلية ونار الصراعات الإقليمية، لن تكون بوارد دعم الجامعة من تلقاء نفسها، فحال الجامعة الوطنية من حال الوطن، وحال طلابها وممثليهم من حال المواطنين. لكن ذلك لا يعفي الطلاب من واجب "الثورة" على واقعهم الحالي، استنادا إلى تجربة النضال الطالبي في زمن مضى، استطاع فيه الطلاب أن يفرضوا أنفسهم في الساحة الداخلية، فحققوا مطالب عديدة، من تأسيس الجامعة الوطنية نفسها سنة 1951، إلى التأثير في القرارات الاقتصادية والاجتماعية قبل الحرب الأهلية.
سلسلة الحلقات السبع التي تناولت "فروع الجامعة اللبنانية في المناطق" لن تكفي بالطبع للإضاءة على حاجات الطلاب ومشاكلهم، والتي تتفرع بحسب كل اختصاص في كل منطقة، وأحيانا بحسب السنوات الدراسية أيضا، وإن كانت تلتقي عند عناوين مشتركة، من المباني والتجهيزات إلى البرامج الأكاديمية، لكنها استعادة سريعة لواقع الكليات في الفروع، تمهيدا لتحقيقات ومواضيع ومطالب ينقلها طلاب الجامعة أنفسهم، يلتقون حولها، يتناقشون بشأنها ويتحركون لأجلها.

السابق
نساء ناميبيا الحمر
التالي
عام على مجزرة مارون الرأس: نكبة الذاكرة