بين الاستضعاف والاستكبار ضاعت حقوق الانسان

المُستَكبر والمُستضعَف , والاستكبار والاستضعاف , مصطلحات دخلت الخطاب الاسلامي الشيعي السياسي لأوّل مرة على يدي السيد روح الله الخميني (قدس) , ولم تكن تلك المصطلحات متداولة في الخطاب الشيعي السياسي , كما انها لم تُحمّل نفس المعاني التي حُمّلت اياها من قبل , فكان لها وقع جميل على قلب الفقراء الذين اعتبروا انفسهم مستضعفين ,(لان برأي هؤلاء ان الفقر هو استضعاف لهم مما يؤدي الى استغلالهم من قبل الاغنياء القابعين في السلطة او القريبين المتماهين مع السلطة ) ,
وشكلّت صدمة كبيرة لأصحاب رؤوس الاموال اذ اعتبروها تأنيبا موجها لهم لانهم يملكون الثروة ويسيئون استعمالها وتوزيعها , وفاجأت أصحاب السلطة والمتسلطين على رقاب الناس حيث اعتبروها شعارات لا تهزّ عروشهم فحسب بل سوف تقتلعها شكليا ليحل مكانها استكبار شرعي استمد شرعيته من الله والدين , ومن جهة أخرى تمسك بها الطامحون الى السلطة وخاصة الذين اتخذوا الدين مطيّة لأغراض وأهداف سلطوية , مستغلين الفهم البدوي للمصطلح عند عامة الناس فتركوا الناس تفهم كما تريد او كما تشعر به من الحاجات ومترتباتها الحياتية وتركوا الناس تحلم بالعدل والعدالة , فظن الناس ان الوعد الالهي بوراثة الارض قد اقترب , لان الظلم الذي مارسه اصحاب المُلك قد حوّل المجتمع الى طبقتين , طبقة الفقراء والمساكين وهم الذين سمّوا انفسهم مستضعفين في الارض , وطبقة الاغنياء وأصحاب السلطة وهم الذين وُصفوا بالاستكبار .

بعد ما يقارب ربع قرن من التجربة الثوروية ضدّ المستكبر الذي عاث في الارض الفساد فاستضعف طائفة من الناس وشرّد طائفة أخرى , وسجن طائفة ثالثة , حلّ المستضعف الثائر مكان المستكبر الظالم , فتحوّل هذا المستضعف الى مستكبر أشدّ وأعنف استكبارا وظلما وعتوا , بخلاف الوعد القراني الذي وعد بان يمنّ على الذين استضعفوا في الارض ووعد بان يجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين , حيث قال : " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " , " ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " ( سورة القصص أية 56) . ان هذا الوعد القرآني اراد ان يجعل الذين استضعفوا في الارض أئمة يدعون الى العدل والعدالة والحرية وكرامة الانسان , بخلاف ما كان يفعل المستكبر المتمثل بفرعون وسلطانه , الوعد القرآني يريد ان يجعل المستضعفين قادة في الخير يقتدى بهم , ودعاة الى الخير, ويورثهم السلطة ليحكموا بين الناس بالقسط والعدل لا ان يحكموا بالظلم والجور , والا ما الفرق بينهما .
فما هو الفرق إذن بين المستضعف الذي يتسلط ويمارس في سلطانه كما كان يمارس المستكبر ؟ وهل يمكن لنا ان نعتبر هذه المصطلحات وأمثالها وسيلة لذر الرماد في عيون الجماهير من أجل استغلالها لأغراض وأهداف سلطوية ؟ اليس هناك معيارا للحق والعدل كي نعرض عليه أي تجربة تدعي أنها تسعى من أجل الدفاع عن حقوق الانسان ؟؟؟؟

السابق
الجديد في قضية لطف الله ـ2… تمويه مالي وخلوي واستخباراتي
التالي
كتير سلبي: ارتفاع سقف الجرأة