قادة تل أبيب يريدون تدمير أسلحة طهران النووية بشكل عاجل

استؤنفت المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني في تركيا هذا الأسبوع بحضور مندوبين من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي بالاضافة الى ألمانيا. لكن العقبة الكبرى أن الايرانيين يريدون الحصول على الأسلحة النووية أو لمزيد من التوضيح: الايرانيون يتطلعون دائماً أن يكونوا قوة كبرى في المنطقة. فالعديد من الدول في المنطقة -اسرائيل وباكستان والهند – تمتلك قنابل نووية.وايران تريد البعض منها أيضا.
يحجم الكثيرون عن الاعتراف بأن ايران تريد هذه القنابل النووية حتى لو لم يكن يحكمها الملالي. وبالعودة الى أوائل السبعينات, عندما وسع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مبيعات الأسلحة للخارج (في جزء منه لبسط النفوذ الأميركي في العالم الثالث, وفي جزء آخر لدعم الميزان التجاري) قال هنري كيسنجر لشاه ايران أن بوسعه شراء أي سلاح في ترسانة الولايات المتحدة. فطلب الشاه غواصة بولاريس التي تحمل 16 صاروخا نوويا. فما كان من كيسنجر الا أن خفف لهجة العرض قائلا: أي سلاح عدا القنابل النووية. ومع ذلك, لو كان زعماء ايران ميالين للديمقراطية الغربية لكان برنامجهم النووي أقل اثارة للقلق.
في العام 2006, عندما سعت الهند علنا لتوسيع ترسانتها النووية, لم يتجنب الرئيس الأميركي جورج بوش الاحتجاج فحسب, بل باع دلهي الامدادات اللازمة كجزء من اتفاق "الشراكة العالمية", وأعلن أن الهند "دولة مسؤولة وتمتلك تكنولوجيا نووية متقدمة" وبالتالي فهي مؤهلة للحصول على نفس المزايا كاحدى الدول التي وقعت "معاهدة" عدم انتشار الأسلحة النووية (رغم أن الهند كانت واحدة من دول ثلاث فقط في العالم لم تفعل). والقادة الايرانيون لا شك أنهم تابعوا هذه القصة عن كثب واستخلصوا منها درسا بان الولايات المتحدة لن تقلقها كثيرا القنابل النووية الايرانية التي يطورها النظام الايراني.
وفي هذه الحال, اذا كان للبرنامج النووي الايراني أبعاد عسكرية (كما هو مؤكد), فان أحد دوافعه الأساسية هو مذهب الردع القديم: فهم راغبون في ترسانة نووية لردع أعدائهم- الولايات المتحدة واسرائيل أساسا – من شن هجوم على نظامهم.
ولا يعني هذا أن طموحات ايران النووية محض دفاعية – أو يمكن تبريرها. فالخطر, في جزء كبير منه, يكمن في النظام. وليس بالأمر الجيد أن تقع أسلحة الدمار الشامل في أيدي أصوليين متشددين.
ومع ذلك, من المستبعد جداً أن تبدأ ايران المسلحة نوويا ذات يوم بالقاء القنابل أو اطلاق الصواريخ على القدس أو تل أبيب. فمن ناحية, أيا كان وضع برنامج التخصيب النووي الايراني, ربما هم على بعد سنوات من تحويل عبوة ناسفة الى سلاح من خلال تصغيرها داخل رأس حربي, وتثبيت الرأس الحربي على رأس قذيفة صاروخية ثقيلة بما يكفي ونقلها عبر مسافة طويلة بدقة. ومن ناحية أخرى, يعتقد أن اسرائيل تمتلك أكثر من 200 رأس نووي. ويعتقد أنها موزعة ومحمية بشدة, لكن بعضها متنقلة ربما في عرض البحر, ومرتبطة بشبكات قيادة وتحكم متعددة. وحتى اذا تم تدمير العاصمة, يمكن اطلاق الأسلحة الباقية. بعبارة أخرى, اذا أطلقت ايران بعض القنابل النووية على اسرائيل, فان اسرائيل يمكنها الاعتماد على ضربة تقضي على ايران. القادة الايرانيون يعرفون هذا بالتأكيد: قد يرعون انتحاريين, لكن هم أنفسهم ليسوا انتحاريين.

استنتاج خطأ

قد يستنتج البعض من هذه الحجة أن القنبلة الايرانية غير مقلقة. هذا الاستنتاج خطأ لأسباب عدة. أولاً, أن الأسلحة النووية جيدة ليس فقط للردع بل أيضا للتلويح. وهي توفر غطاء لعدوان تقليدي أو للتخويف. على سبيل المثال, لو كان صدام حسين يمتلك بعض القنابل النووية قبل غزو الكويت, لما كان محتملا أن يتمكن الرئيس بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر من حشد التحالف الدولي الواسع الذي طرد الجيش العراقي من الكويت. أو أثناء تلك الحرب نفسها, عندما أعلن بيكر أن أي هجوم كيميائي أو بيولوجي على اسرائيل سيعامل على أنه هجوم نووي ضد الولايات المتحدة, وكان تهديده هذا أقل جدوى فيما لو كان لدى صدام نفسه قنابل نووية يساوم عليها. وبالمثل, فان ايران المسلحة نوويا قد تدعم الفصائل المسلحة في "حزب الله" وسائر وكلائها من أمثاله أو تتغاضى عنها في تصعيد عدوانها بمزيد من المخاطر.
ثانيا, كان الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قادرين على الحفاظ على "توازن الرعب" لعقود عدة سادتها توترات الحرب الباردة, من دون الضغط على الزر, لأن كلا الجانبين تعلم – وطبق – دروس الردع. فقد نصبوا صواريخ وجهزوا غواصات لا يمكن بلوغها. أقاموا رادارات للانذار المبكر ووضعوا خطا ساخنا لادارة الأزمات, ركبوا أقفالا مشفرة على تلك الصواريخ لتقليص حظوظ بعض الجنرالات في شن هجوم على هواهم. ليس هناك أي ضمان بأن يقوم الايرانيون بأي من هذه الأمور الخاصة بترسانتهم. ثالثا, هناك مسألة الجغرافيا. فموسكو تبعد عن واشنطن 5000 ميل, ولو كانت المسافة 900 ميلا (بين طهران والقدس), ربما كانت هناك حرب نووية في لحظة معينة في السنوات الخمسين الماضية. الصواريخ العابرة للقارات تستغرق نصف ساعة من موسكو الى واشنطن, وهذا الوقت يكفي بالكاد رئيس الجمهورية لأن يقرر ما يجب فعله اذا كان ثمة على شاشة الرادار ما يوحي بهجوم ما, لكن عند اطلاق صاروخ قصير المدى يستغرق نحو خمس دقائق لكي يصل من طهران الى اسرائيل. ربما يكون هذا الوقت غير كاف. حصل مرارا أثناء الحرب الباردة أن أخطأت رادارات أميركية دقيقة مجموعة من الصواريخ السوفياتية أو وقع خلل في البرمجيات وصدر عنها تحذير كاذب عن هجوم. في جميع هذه الحالات, يستطيع القادة الانتظار قليلاً ليتبينوا تلك الاشارات.

أعصاب باردة

جاء في كتاب ديفيد هوفمان المخيف "يد الميت: قصة سباق التسلح في الحرب الباردة وتركتها الخطيرة" أن حادثا وقع في العام 1983 عندما التقط قمر صناعي سوفياتي للانذار المبكر اشارات تشي بهجوم صاروخي أميركي. الاشارة في هذه الحالة كانت (لم يتم التصويب أبدا) ونظام الانذار سجل تحذيرا بوقوع هجوم. لحسن الحظ, اعتقد المقدم السوفياتي في محطة الرصد أن هذا لا يمكن أن يحدث حقا فقرر – على مسؤوليته الخاصة – أن يقول لقائده أن الانذار كان كاذبا, وبالتالي, لا ضرورة لاطلاق صواريخ مضادة عابرة للقارات. الانذار كان كاذبا. ولكن حسب نظام الانذار, الهجوم حقيقي. وقد يكون ذلك حال دون "حرب عالمية ثالثة".
ليس واضحا على الاطلاق أن يتعامل ضابط ايراني أو اسرائيلي بأعصاب باردة في ظروف مماثلة ولا سيما اذا كان التحذير كاذبا وتزامن مع أزمة ديبلوماسية أو مناورة عسكرية أو في لحظة توتر غير عادية.
لا أعتقد أن البرنامج النووي الايراني يشكل خطرا داهما. ولكن اذا كانت هناك طريقة لكبح هذه السيناريوهات المرعبة في مهدها, أو طريقة ديبلوماسية لابعاد ايران عن هذا التوجه النووي – فهي جديرة بالمتابعة, ببعض الجهد والتكلفة.
الأخبار الطيبة أن العقوبات تحدث أثرها في اقتصاد ايران ومكانتها الدولية. اذا كان المرشد الأعلى يعتقد حقا أن الأسلحة النووية غير أخلاقية (كما قال), أو اذا كانت هناك فصائل داخل الحكومة تعتقد أن السعي لامتلاك قنبلة نووية مكلف جدا, فربما تؤتي المحادثات ثمارها.
والأخبار السيئة أنه عندما يتخلى الايرانيون عن هذه الورقة الرابحة, فلابد لهم من الحصول على شيء في المقابل كتعليق العقوبات وضمانات أمنية ملموسة وقيمة. فهل هناك صفقة – ولو نظرياً – جديرة باهتمام الايرانيين ومقبولة لدى الاسرائيليين في آن معا? هذا هو السؤال المهم, لكن من الصعب أن نتصور شيئا من هذا القبيل.
في الواقع, اذا كان الاسرائيليون عازمين حقا على مهاجمة المنشآت النووية الايرانية, فمن المحتمل أن يفعلوا ذلك قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل. واذا بدأوا بالهجوم واحتاجوا قوة النيران الأميركية لمساعدتهم على اتمام المهمة,فان باراك أوباما قد يكون مستعدا لشن هجمات سياسية محفوفة بالمخاطر – كونه غير حاسم وضعيفاً ويتبع سياسة الاسترضاء ويناهض اسرائيل – وذلك قد يكلفه أصوات الدوائر الانتخابية الحاسمة. واذا حاول الاسرائيليون الضغط على الولايات المتحدة للانضمام الى الهجوم بعد الانتخابات, فان أوباما سيكون على قدر أكبر من المرونة. لذا, فان قرر القادة الاسرائيليون الهجوم (ليس واضحا على الاطلاق أنهم قرروا ذلك) فلربما هم يعتقدون أنه من الأفضل بكثير أن يكون الأمر عاجلا وليس آجلا.
الفكرة الجديرة بالاهتمام أن الايرانيين ربما يفكرون مليا في هذا السيناريو. وهم بالتأكيد قلقون من هجوم اسرائيلي لسبب وجيه. تشهد على ذلك حقيقة دفنهم لبعض مرافقهم في أعماق الأرض, بتكاليف باهظة.
اذا كان الايرانيون يعتقدون أن الاسرائيليين جادون, فلربما يتم الخروج بصفقة لتجنب الضربة, على الأقل لشهور عدة مقبلة. وبالتالي فان المسألة تكمن فيما اذا كانت العروض – أيا كانت – حقيقية وموثوقة ومغرية بما فيه الكفاية لكي يقبل بها الاسرائيليون. ربما تستحق هذه المفاوضات أن تستمر وتتواصل في نهاية المطاف.  

السابق
ماذا قالت دنيا سمير غانم عن خطيبها؟
التالي
عضّت كلبها بوحشية