لو قتلني الاسرائيلي

كالمعتاد، وصلت إلى المقهى وأتى هو كي يتفقد حال الأرجيلة، وقد اعتدت ممازحته وصفاً إياه بالمعارض تارة و "المنحبكجي" طوراً، عادةً ما كان يضحك ويكمل عمله دونما تعليقٍ على ما قلت، لكن هذه المرة، إنتفض أبو شادي، وهو صديقي السوري الذي لم أكن أعرف إن كان معارضاً أم لا، كأنما استفزه كلامي إلى حد الخروج عن صمت دام أكثر من ٨ أشهر..

على مدى أشهر مضت، كنت مشتتاً في ما يخص الشأن السوري بين نأي بالنفس وبين دعم للشعب السوري، وغالب أسئلتي للسوريين في لبنان كانت محاولة لحسم موقفي من خلالهم، بدأت الحديث مع أبا شادي الدرعاوي العائد حديثاً من سوريا بمعزوفة اعتاد عليها مني، وهي أنه معارض هارب من بطش النظام، أو عنصر مخابرات متخفي، هذه المرة لم يضحك أو يبتسم، بل صمت قليلاً ثم قال بلهجته الشامية :"أنو معارضة وأنو نظام يا أستاذ؟ سوريا إلها سنة لورا، أول تلات شهور ضهرنا بدنا حرية، اليوم ما بقى فينا نضهر حتى"، لفتني ما قال فتابعت الحديث معه ليستفيض أكثر في الشرح مكملاً :"رفيقي بالامن قتلوه" وهنا ظننت أن صديقه إنشق فاعدمه النظام قبل أن يمضي في الكلام :"كان على الموتو هو ورفيقو وقوصو باجرو، حتى لما وقع على الأرض، ما خاف وبقي يواجههم، صار يقولو للي قوصو إنت إبن حرام، إنت إرهابي، إنت عدو لبلدك ما بدك حرية، إنت مجرم"، وسحب من جيبه هاتفاً ليؤكد كلامه، اعطاني الهاتف كي أرى ما كان يروي، لم استطع أن أعرف من أين استحصل على الفيديو لكنه أبشع من أن يوصف، رجل يواجه مصيره دون خوف، وقاتل يجهز عليه بدم بارد وسيل من الشتائم، قبل أن تجر جثته على الطريق ويمثل بها بطريقة لا تمت للانسانية بأي صلة، لم أشاهد الفيديو كاملاً بل اعدت له الهاتف متسائلاً كيف له القدرة على المشاهدة، خاصة وأنه كما قال، هو صديق الطفولة والشباب، ليجيبني:"عندو بنتين متل فلقة القمر، قتلو وشوهوه، شو استفادو؟

إذا هاد هي الحرية لعم يحكو عنها، بلاها، ما بدنا ياها، كلنا بنتمنى نموت شهدا، بس مو على ايد إبن بلدنا، من ايمتى السوري بيقتل السوري؟ لو على ايد إسرائيل كنت بتمنى موت قبلو مو معو، بس يقتلني السوري اللي متلي متلو؟"، وكان يقصد هنا العصابات المسلحة والجيش الحر، عقبت على كلامه مستفسراً عن طبيعة القتلة، أهم سوريون أم من جنسيات عربية؟ ليجزم مجدداً أنهم سوريون ومعروفون :"القاتل معروف، واسمو معروف وسوري متلنا متلو، خربو سوريا، حتى الولد صار حامل سلاح وبيقتل، بعمرها سوريا ما كانت هيك"، طلبت من أبو شادي الجلوس كي نكمل الحديث، فرفض بحجة "ما بدي وجعلك راسك"، وبعد إصرار مني ومن اصدقائي قبل أبو شادي الدعوة وواصل كلامه :"شوف ليبيا، كل يوم مشاكل وقتل وحروب، تقسمت ليبيا و دمرها الناتو، وين مشروع النهر العربي الكبير؟ كان كفيل إنه يجعل من ليبيا بلد متكامل، نفط، زراعة وسياحة، العراق تقسم كمان بفضل الغرب، السودان، اليمن قريباً، بدهن يقسموا سوريا كمان؟ السوري ما بفكر مسيحي وسني وعلوي، اليوم الناس عم تقتل وتنقتل على الهوية، يعني على الكنية، بيشوفو اسمك ومن أي حي، وبيعرفو طائفتك، على أسسها بحددوا إذا بيقتلوك أو لا"، هنا استفز أحد اصدقائي المؤيدين بشكل نهائي للحراك السوري وقال :"الجيش السوري ليس ملاكاً أيضاً، نرى الجرائم بحق الأطفال والنساء العزل، قتل صديقك رد فعل على أفعال زملائه في الأمن"، لم يجب أبا شادي إلى بعد دقائق :"الجيش ما تدخل، هدول قوات الأمن وحفظ النظام، الجيش يتدخل تحت امرتهم، بس معظم الوحدات والفرق لساتها ما تحركت، وما قلت الامن منيح، عم يقتل كمان، أبشع شي بالاحداث هو إنو دم السوري على أخيه السوري صار رخيص، والقتل صار يتم بدم بارد، أنا ما بحب النظام، بس النظام ذكي من ايام حافظ الأسد، مرة سأله إعلامي:" إذا طلع الطيران الاسرائيلي وضرب سوريا، ماذا تفعل؟ أجاب: لن يجدوا مطارات يهبطون فيها عند العودة، سأله إذا ما ضربت إسرائيل سوريا وحدث حرب، ماذا يجري؟ أجابهم الأسد:يعود البلدين ١٠٠ عام إلى الوراء، لكن إنتبه، منذ ١٠٠ عام، لم يكن هناك أي شيء إسمه إسرائيل"…ورجال النظام بعدهن هني ذاتن، بشار واجهة بس لنظام طويل عريض متعود على العب على الهاوية"…

وبعد مرور حوالي الساعة، وجد أبو شادي نفسه مضطراً إلى أن يعود إلى عمله فاستأذن منهياً حديثه ب :"نحن وزغار تعلمنا تاريخ العرب، كرم حاتم الطائي، شجاعة عنترة، علم إبن سينا، وفتوحات صلاح الدين، بكرا ولادنا عن شو بدهن يتعلموا؟ عن كيف العرب قتلوا بعدهن بسلاح وايد الأجنبي؟ عن إعداد المؤامرات من الأخ لاخوه؟، كيف بدنا نواجه اولادنا إذا سألونا بكرا؟ متل النعامة اللي مخباية راسها بالتراب ؟ حسبي الله ونعم الوكيل، بالاذن وجعنالكن راسكن" ….
ومن كلام ابي شادي، السوري الحائز على شهادة في علم الاجتماع، والذي أجبر على ترك بلده ليعمل في مقهى بسبب عدم توفر فرصة عمل، وصلت إلى ما أراد هو ايصالي إليه، أن الضحية الوحيدة هي الشعب السوري الذي خرج ليطالب بحريته، ففقدها وعاد سنوات إلى الخلف، تربى عنده استسهال القتل ونبت عنده العرق الطائفي، بينما يتصارع النظام مع المعارضة على مكاسب وكراسي…

السابق
فلسطين تشارك في مؤتمر الأمم المتحدة الوزاري للتجارة والتنمية الأونكتاد في قطر
التالي
موقع الجامعة.. الـلا إلكتروني