نحتاج إلى وقفة التقاط أنفاس لتعويض ما فاتنا

عبر بعض الإخوة الأفاضل النواب عن دعمهم لقرار حل مجلس الأمة فيما لو رأى سمو الأمير اتخاذه، وربما احتاج هذا الأمر الى المزيد من التفصيل، حيث بلغ التذمر من أسلوب العمل السياسي والإداري في الدولة حدا غير مسبوق، والسبب يتحمله الجميع، ممثلا بضعف التعاطي السياسي للحكومة من جانب، والانتهازية المكشوفة من جانب أعضاء في مجلس الأمة، تم بموجبه تسخير إمكانات الدولة لمصالح ضيقة ونفعية ما جعل المواطنين في حالة استياء تام يتمنون معها وقف هذا الانحدار، ليس بقرار حل مؤقت تعود بعده الأمور أسوأ مما كانت ولكن بوقفة استراحة لا تقل عن عشر سنوات، يتم خلالها العمل على قدم وساق لاستدراك ما عجز هذا البلد عن تحقيقه في عقود متلاحقة من التوتر المستمر بمناسبة وبغير مناسبة، والذي بلغ حدا عبثيا جعل الكويت باستجواباتها المسرحية أضحوكة ومادة للسخرية من شعوب المنطقة.

نعم، اذا كان من «حق» بعض السياسيين الترحيب بحل مؤقت وبعد شهرين يأتي مجلس آخر يكرر نفس المعاناة التي تجاوز عمرها ثلاثة عقود من الاضطراب واللااستقرار، فإن من «حقنا» أن نعيش عقدا زمنيا واحدا «فقط» من الإنجازات التي استطعنا تحقيق العديد منها خارج بلادنا وعجزنا عن تحقيق شيء منها داخلها، وفيما يتعلق بـ «التجاوزات» التي يمكن أن تحدث في هذه الفترة فإننا عشنا «بالفعل» تجاوزات بالمليارات حدثت طولا وعرضا بوجود مجالس متعاقبة، شرع بعضها لقوانين سوق المناخ وأثرى من وراء عضويتها المئات، وكان المال العام هو أداة عدد من السياسيين لشراء الأصوات من مختلف المواقع، في المقابل فإن التحدي الذي ستواجهه السلطة في منع التعدي ـ في هذه السنوات العشر ـ يلزم القيادة السياسية باتباع أسلوب الحسم لمعاقبة الفاسدين، وإذا كان للعمل واتخاذ القرارات اللازمة في التوقيت الصحيح من أخطاء، كما يحدث في دول المنطقة، فإن كمية «الصواب» ستخفف من أثر الأخطاء مثلما يحدث عندهم ولهذا نمتدحهم ولا نتحدث عن أخطائهم وهذا أفضل بكثير من الأسلوب الحالي الذي ارتهنته دورة مستندية طويلة زادت الفساد عاما بعد عام.

لقد ركضت السلطة طويلا وراء من طلبت رضاهم، وبذلت في هذا السبيل كل المخالفات (تعيينات جائرة – تجنيس بغير حق – تجاوز للوائح في العلاج.. إلخ) والنتيجة زيادة السخط لدى السياسيين بل والتحق بقطار الانتفاع من كان مترددا بعد أن كثرت الحوافز «للزعل».

لقد تدفقت الإغراءات فدخلنا في عصر الاضرابات، وعليه فاذا كان الزعل حاصلا في جميع الأحوال فليكن المقابل هو انطلاقة هائلة تنقل الكويت الى مصاف أقرانها، ولتزعل فئة الانتفاع التي ستعارض وقفة السنوات العشر، ثم يتحول الزعل الى الإعجاب كما حدث في دولة خليجية مرت بزعل، فلما رأى الذي زعل ما تحقق في ستة أعوام أثناء زعله، اعتراه صمت مطبق ليومين كاملين.

إن الحل المؤقت مدة شهرين نعود بعده الى حال أسوأ عبر نظام حزبي يفــرضه توزيع الدوائر الخمس «فرضا» سيوصلنا الى مضاعفة الخسائر وصعوبة الإصلاح، وسيتم في النظام الحزبي اطلاق مسميات براقة عليها وهي في الحقيـــقة تعكس تقسيماتنا المعروفة، وسيتم تنظيم الفساد عبر «تنظيم ميزانيات الحملات الانتخابية للأحزاب» تذكرنا بما قيل لنا عن فتح باب ترخيص الصحف، وأن البقاء ــسيكون للأقوى، وهاهي اليوم توزع مجانا (…)، واذا وقــع الفـــأس بالرأس فلا يملك أحد أن يعترض على ارتباط التعيينات الوظيفية بالحزبية والفئوية، وسيجد المواطن أن ابنته ـ مثلا ـ ترسب في الجامعة وتنجح زميلتها رغم تطابق الحالتين والسبب هو تلك الانتماءات، هذه أمور تحدث الآن في شكل حالات فردية، وستتحول الى حالات جماعية «مقننة» تحت حراسة أحزاب تؤمن الحماية لهذا الجحيم.

انتهى.

مقولة «اقبل الديموقراطية بمحاسنها ومساوئها» غير مقبولة، فهي تدعو الى الرضوخ للفساد المصاحب لها ولا تحث على تنظـــيفها منه، وهذا مرفوض، الهدف من «الوقــفة» هو تقــديم نموذج «الديموقراطية النظيفة»، في الوضع الحالي لا يملك النائب الجديد النزيه الا أن يستسلم للمـــمارسات الدارجة، فقد تم تعويد الناس عليها وهو واحد من الناس، يخضع لأغراء الميكرفون، كغيره، لا يمكنك أن تطلب من شخص في ملعب كرة سلة أن يشذ ويمارس قوانين كرة اليد، لهذا نفقد عناصر جيدة، المطلوب هو أن تصحح وضع الملعب، حتى «تنقذ وطن».  

السابق
أنقرة وطهران: نهاية غير سعيدة
التالي
إيران.. وهم الدولة العظمى!!