اللواء: إقرار خطة ميقاتي للإنتاج وإرضاء باسيل بالبواخر

قبيل منتصف الليل بقليل، خرج مجلس الوزراء بما يشبه الحل السحري للكهرباء: فلا كسر وزير الطاقة المعني جبران باسيل، بل ارضاه بالموافقة على اجراء مناقصة جديدة لاستجرار الطاقة بالبواخر لمدة ثلاث سنوات، ولا خذل رئيس الحكومة، بل ذهب الى اعتماد برنامجه لتوليد الطاقة عبر بناء معامل انتاج مجهزة تقنياً وبنيوياً بما يسمح بوضعها في الخدمة في فترة زمنية لا تنقص عن سنة ولا تزيد عن سنتين، وبكلفة اقل.
وكان الرئيس نجيب ميقاتي قد زف هذا الخبر للبنانيين قبل انتهاء الجلسة بساعة، مؤكداً قدرة المؤسسات الرسمية على ابتكار الحلول، ضمن نقاش يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا، ويسقط على الطاولة او في الشارع اساليب التهويل والتهديد بتحويل ملف الكهرباء الى ملف شهود زور بحسب ما لوّح الوزير باسيل قبيل الجلسة.
واقتضى الحل السحري للكهرباء، برفع قدرة المعامل التي اقترح الرئيس ميقاتي انشاءها لتوليد الكهرباء الى 1500 ميغاوات، بدلاً من الف ميغاوات، كما ورد في تقريره، مقترنة بخطوات لتسهيل مشاركة القطاع الخاص، مقابل الموافقة على استئجار البواخر لتأمين الطاقة بحوالى 270 ميغاوات لمهلة اقصاها ثلاث سنوات، خلافاً للمدة التي اقترحها الوزير باسيل وهي خمس سنوات، على ان تعود اللجنة الوزارية التي كانت شكلت للاطلاع دفاتر الشروط للتفاوض النهائي على الشروط التعاقدية والاسعار من دون ان يكون هناك مناقصة جديدة، وربما ايضاً شركات جديدة، غير الشركتين التركية والاميركية.
ومع اذاعة مقررات الجلسة الماراتونية التي استغرقت نحو ست ساعات، تبين ان الحكومة اتخذت سلسلة من القرارات الرسمية، بحيث لم تترك شاردة ولا واردة من القضايا التي شغلت الرأي العام اللبناني في الاسابيع الماضية، اذ بدا ان الحل السحري الكهربائي طاول سائر البنود التي كانت على جدول الاعمال الذي قارب الـ80 بنداً، موزعاً القرارات بالتساوي بين الرئاسات والوزارات، الامر الذي من شأنه ان يولد جواً من الانفراج بعد ايام وليال ضاغطة عبرت عنها الاضرابات القطاعية والازمات الغذائية والمخاوف من ارتداد الوضع السوري المتأزم على الاستقرار اللبناني.
ولاحظ مصدر وزاري ان الاتصالات التي جرت بين الاطراف الرئيسية المكونة للحكومة نجحت في "هندسة سلة القرارات" التي توزعت بين امور سويت واخرى قيد التسوية، مع حسم واضح للملفات الخلافية الاساسية:
1 – على صعيد التعيينات: عيّن مجلس الوزراء انطوان جبران رئيساً لإدارة الموظفين في مجلس الخدمة المدنية، ونتالي يارد رئيسة لهيئة الأبحاث والتوجيه في المجلس نفسه، ومنى عواد مديرة عامة للشؤون الوزارية في مجلس الوزراء، مما يعني أن سكة التعيينات سالكة، بانتظار التوافق على المناصب الكثيرة المتبقية في المراكز الإدارية الشاغرة.
2 – بشر الرئيس ميشال سليمان بأن وزير العدل شكيب قرطباوي، سيقترح في جلسة قريبة، قد لا تتعدّى عطلة الفصح المجيد، ترشيح أسماء عدد من أعضاء مجلس القضاء الأعلى، فضلاً عن اعداد مرسوم التشكيلات القضائية، منعاً لحصول فراغ في القضاء.
3 – وبشرت وزارة المال انها اقتربت من إنجاز سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام، بعد صدور سلسلتي القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، وفي معرض معالجة مطالب هيئة التنسيق النقابية.
4 – أشارت مداولات مجلس الوزراء، في ضوء المفاوضات التي تولاها وزير الصحة إلى قرب إنهاء أزمة امتناع المستشفيات عن استقبال مرضى الضمان الاجتماعي، بعد حل يسمح بزيادة التعرفة للمستشفيات والاطباء بنسبة توازي نسبة الزيادة التي أقرّت للقطاع الخاص.
5 – ناقش مجلس الوزراء التحضيرات الجارية لاضراب قطاع النقل، في ضوء الارتفاع الجنوني الأسبوعي لسعر صفيحة البنزين والتي سجلت أمس رقماً قياسياً، إذ اقتربت من سقف الـ40 ألف ليرة، في ارتفاع غير مسبوق بتاريخ لبنان، فأخذ بعضاً من اقتراحات وزير الاشغال العامة لجهة شراء عدد من الحافلات لتعزيز النقل المشترك، كما اعدت وزارة الاقة مشروع قانون اقره المجلس باجراء عروض استيراد السيّارات العاملة على الغاز والمازوت الأخضر.
6 – على أن الأهم، ما كشف عن اقرار مشاريع قطع الحساب التي رفعها وزير المال محمّد الصفدي عن السنوات من 2006 إلى 2010، الأمر الذي يعني انه في حال إقرار مشروع القانون هذا، فان موازنة العام 2012 يمكن أن تعود إلى الواجهة وتقر قبل العطلة النيابية الصيفية.
والسؤال، هل يؤدي الانفراج الذي حصل على الورق في مجلس الوزراء إلى انفراج فعلي على الأرض؟.
ليس ثمة ما يُشير إلى أن "جرعة" النشاط التي تنشقتها الحكومة أمس ستؤدي إلى طي الملفات الخلافية، ولا سيما على الصعيد السياسي، فحركة التعيينات التي أجرتها اقتصرت على هيئات الرقابة، وهي تعيينات مقررة منذ فترة، من دون أن تقترب من المراكز المختلف عليها، ولا سيما منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى، في حين أن إقرار مشاريع القوانين الخاصة بقطع الحسابات المالية للأعوام من 2006 إلى 2010 ضمناً،. سيعيد تظهير الخلاف على الإنفاق المالي، بين تيار "المستقبل" والتكتل العوني في ضوء التحفظ الذي أبداه الأخير، في حين تريثت كتلة "المستقبل" في تحديد الموقف بانتظار صدور مشروع القانون، ملمحة إلى أن تكتل عون ما زال مصرّاً على استخدام هذا الملف مادة للابتزاز السياسي، بحسب ما أبلغ النائب جمال الجرّاح "اللواء" أمس.
مساءلة الحكومة
ولاحظت مصادر نيابية، أن اكتفاء وزير الإعلام وليد الداعوق بالإشارة إلى أن الحكومة باتت منتجة، في تعليقه على القرارات التي أعلنها، لا يعني أن المعارضة ستتوقف عن مساءلة الحكومة، والمطالبة بعقد جلسة للمناقشة العامة، تفسح في المجال أمام طرح الثقة بالحكومة مجتمعة أو بوزير معيّن.
وبحسب معلومات النائب مروان حمادة، فإن الرئيس نبيه بري وافق في اجتماع لهيئة مكتب المجلس ورؤساء ومقرري اللجان النيابية، عُقد أمس، على وجوب عقد جلسة مناقشة عامة للحكومة، وهو ما وضعه النواب في إطار الضغط على الحكومة، على أن تكون هذه الجلسة بين الفصحين أو بعدهما، وعلى مدى ثلاثة أيام وتنقل وقائعها على الهواء مباشرة، ما يؤشر إلى جلسات ماراتونية ومبارزات كلامية، قد تفتح الباب واسعاً أمام مواجهة ساخنة، هي الأولى على هذا المستوى بين المعارضة والحكومة منذ تأليفها، بعد جلسة الأسئلة والأجوبة.
وإلى جانب تلك الجلسة، جرى في الاجتماع عرض مفصل لعمل اللجان، وقرر الإفساح أمام النواب غير الأعضاء بالاطلاع على جدول أعمالها، والإسراع بإقرار المشاريع والاقتراحات الأساسية المطروحة، كقانون السير وهيئة إدارة الكوارث في جلسة للجان المشتركة دعا إليها بري في 5 نيسان المقبل، على أن تليها جلسة تشريعية تحدد لاحقاً، ويكون قانون الإيجارات من أبرز مواضيعها.
مجلس الوزراء
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة كان أوضح للصحافيين أثناء خروجه من الجلسة أنه تقرر استئجار البواخر في موازاة بناء المعامل، وبدلاً من أن تكون هناك شركتان، تقرر اعتماد شركة واحدة وتخفيض مدة الاستئجار من خمس سنوات إلى سنتين قابلتين للتمديد سنة، والتفاوض على أسعار جديدة مخفضة، وألا تجري مناقصة جديدة.
واعتبر وزراء تكتل التغيير والاصلاح أن الجلسة كانت مثمرة ومنتجة واتخذت فيها قرارات مهمة، لكن وزراء جبهة "النضال الوطني" اعترضوا على ما تقرر بعد كل ما قيل من تناقصات وورد من التباس حول عملية الاستئجار وبناء المعامل والأسعار المتضاربة، وقال الوزير غازي العريضي: "لكل ذلك طالبنا بإعادة المناقصة، وعندما تقرر غير ذلك سجلنا اعتراضنا".
وكان ساد الجلسة لدى انعقادها تشنج صامت بين وزراء التكتل ورئيس الحكومة الذي قبّل الوزير الصفدي وعايده بعيد ميلاده بعدما كان سجل خلاف بينه وبين وزير الاقتصاد نقولا نحاس على خلفية كلام نسب إلى الأخير.
وتمثل التشنج بمطالبة الوزير باسيل بأن يطرح ملف الكهرباء في البداية، لكن الرئيس سليمان اعترض مؤكداً السير بجدول الاعمال، وابقاء الملف ضمن مرتبة اي البند 76، واعداً اياه بالبقاء حتى الانتهاء من البند المذكور.
وابلغ الرئيس سليمان المجلس انه سيسافر اليوم إلى بغداد لترؤس وفد لبنان للقمة العربية، وانه سيدلي بموقف لبنان على اساس الثوابت المعروفة لجهة الحفاظ على الدور الجامع لجامعة الدول العربية.
توتر طرابلس ومشاريع القاع
وذكرت مصادر وزارية، ان المجلس تبلغ اثناء انعقاده، عن معلومات تفيد ان توتراً محدوداً حصل في مدينة طرابلس، على خلفية تعرض منطقة التبانة، إلى سقوط قذيفتي انيرغا بجانب براد البيسار، ترافقت مع بعض الطلقات النارية.
وتطرق مجلس الوزراء ايضاً إلى ابعاد الاشتباكات التي وقعت امس الاول في منطقة الجوزة في مشاريع القاع البقاعية، وما تردد عن توغل للجيش السوري في الاراضي اللبنانية واصابة مواطن بجروح، وهذا الامر الذي نفاه الرئيس سليمان، مؤكداً على ضرورة ابقاء لبنان في منأى عن تداعيات الازمة السورية، ولفت الانتباه في هذا الاطار، الزيارة التي قام بها قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى كل من رئيسي الحكومة ومجلس النواب، حيث كان موضوع الوضع الامني على الحدود العنوان الابرز في هذه الزيارة، وكذلك البيان الذي اصدرته قيادة الجيش في هذا الشأن، والذي تحدث عن قيام الجيش بانتشار واسع في منطقة مشاريع القاع، وتوقيف سيارتين تقلان عشرة اشخاص لبنانيين وسوريين وضبط كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر والاعتدة العسكرية.
وعلم ان العماد قهوجي جزم امام الرئيسين بري وميقاتي انه لم يحصل توغل سوري ضمن الحدود اللبنانية، خلافا لما تردد في هذا الخصوص امس الاول، وهو اطلعهما على الاجراءات التي اتخذتها القيادة لضبط الحدود سواء في البقاع او في الشمال، بما في ذلك الانتشار الواسع الذي نفذه امس، بحسب بيان القيادة.  

السابق
الأنوار: مجلس الوزراء يخصص مئات ملايين الدولارات لمعامل وبواخر الكهرباء
التالي
الشرق: تعيينات ادارية قبل البحث في متفجرة الكهرباء