أيها المواطنون.. أيها البقر

شارفت مدّة "هستيريا الأمن الغذائي" على الانتهاء. هكذا، كما كلّ القضايا في لبنان.

منذ فترة مثلاً، ضجّ اللبنانيون عقب انهيار "مبنى فسّوح" في الأشرفية. كادت الشاشات تنفجر من وقع هدير المسؤولين و"جدّيتهم". لفّت الوعود الرؤوس، علقوا بعضها عقوداً على أعناق لا تكاد تتنفّس، وأخرى كأقراط لآذان طرشى. أمّا صحافيو البلد، فلم يتركوا لا جداراً ولا شارعاً يعتب على نشاطهم. لعلّهم يجدون أذناً واحدة، تستجيب للنداء. وانطفأ هرج السياسيين، إلى أن عادت القضيّة في الأمس القريب. سقط جدار مدرسة في منطقة المنية، فقضى على ثلاثة طلاّب. "فخامته" تأسّف، ووعد بمتابعة الموضوع (عدنا للوعود إذاً). وانتهت عملية الشجب.. أيضاً.

أيها المواطنون، ترقبّوا "فخامته" و"سعادتهم" و"معاليهم" في تصريح جديد فور وقوع "رزمة ضحايا" جديدة.
قد يكون إلقاء الملامة على هذه النقطة بالتحديد غير مجد. ربّما الوزراء والمسؤولون لا يمكنهم العمل إلاّ في وجهة واحدة محدّدة. لا أسف (للأسف)، فنحن من رفعهم إلى مناصبهم!
كانت قضيّة الأسابيع الأخيرة "الأمن الغذائي". ذُهل الجميع من هول ما شاهدوه. حتّى المسؤولون انصهروا مع شعبهم في حالة الذهول. لعبوا دور المواطن المظلوم. ولم ينقصهم إلاّ أن يطالبوا بالتعويض المعنوي. لكن، عفواً من "فخامتكم" ومعاليكم" وسعادتكم"، هل لنا أن نعرف من أين تأكلون؟ هل لديكم لحامون وأبقار وغنم ودجاج ومزارع نظيفة خاصة بكم؟ إذا كان كذلك، فيا أيها اللبنانيون، هيّا، اهجموا! لديهم طعام آمن.

وفي سياق حفلة الجنون نفسها، "جنّ" بعض أصحاب الملاحم، وصدر قرار التنكيل بالبقر. بعد اللحوم الفاسدة التي أطلّت على الشاشات، وانتشار اللوائح السوداء، شطب المواطنون أسماء بعض المطاعم التي تبيع لحوماً فاسدة. من هنا جاء قرار الملاحم: إذبح نكّل وعلّق. بعض الملاحم كانت سبّاقة في التنكيل حتّى قبل "الفضيحة المعلنة". لكن فوضى الذبح العلني تعمّمت. وهكذا، دخلت البقرة دوّامة "جنون أصحاب السواطير". وبات شعار المرحلة "رأس البقرة".

عند باب الملحمة تجري عملية "الذبح". تنتهي المهمّة ليتمّ تعليق الرأس "المسلوخ" من الأنف. "حديدة" تمرّ في أنف البقرة لينتهي الرأس بالتعليق نزولاً. بات علينا اعتياد المشهد. أمنك الغذائي وسلامتك الصحيّة تفرض عليك "التصبّح" برأس معلّق بأنفه. وفي حال لم تجد "العلامة الفارقة"، فهذا يعني ألاّ مجزرة وقعت هنا. لذلك عليك الابتعاد. "لا ضمير" لصاحب الملحمة. حتماً سيبيعك لحماً فاسداً! فيا أيها البقر – في لبنان – ناموا جيداً، فإنكم لن "تصبحوا" على خير.

لا حدود للتنكيل. ويستمرّ المشهد مع سيلان الدم أرضاً. إعلان حالة الطوارئ يتطلّب ظهور آثار على الأرض. أغلب ملاحم لبنان "بلّطت" بلاطها بالدمّ. عليك عزيزي المواطن العبور فوق "الذبيحة" كعريس في ليلة عرسه. فكيف للمواطن أنّ يتأكّد من صون "أمنه الغذائيّ"؟ هكذا تتأكّد: رؤية الرؤوس المعلّقة والدماء المنتشرة أرضاً، خير دليل. لا يهمّ كيف تشرح المشهد لابنك. فبين الحرص على صحّته أو رؤيته لمشاهد تنكيل "بقرة"، أعتذر، لكن من الغباء مجرّد التلميح للاحتمال الثاني.
قد يستغرب البعض: "بقرة! تتحدّثون عن بقرة تُذبح؟ بقرة تُعلّق أعضاؤها في الشارع أمام المارّة؟". صح، بقرة، فنحن شعبٌ يخاف من فساد طعامه، ولذا لن يكترث لبقرة ينكّل بها.

ولنسلّم جميعاً بضرورة تعليق الرأس. لنفترض أنها حاجة ماسّة. لا يشعر المواطن بقيمة شراء اللحم إلاّ إذا مرّ أسفل ذاك الرأس المعلّق بأنفه؟ اقتنعنا. لكن لماذا سلخ الرأس؟ لماذا التنكيل؟ لماذا على الأطفال الذاهبين إلى مدارسهم صباحاً أن يُحرموا من أكل اللحوم والدجاج على الغداء لأنه "مسمّم"، وأن "يتصبّحوا" بمثل هذه المشاهد؟ هذا عدا عن الضرر الذي يلحق بلحوم البقر المعلقة على الشارع من دون حماية من "زفت" الشوارع.
فيا أيها اللبنانيون.. يا أيها البقر، ناموا جيّداً كل ليلة، فإنكم لن "تصبحوا" على خير!

السابق
السفير: هيئـة النفـط تختمـر ودفعـة تعيـينـات قـريبـاً
التالي
يهرمن وأبناؤهنّ كالملائكة لا يكبرون